الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1457 - مسألة : ولا يحل بيع جارية بشرط أن توضع على يدي عدل حتى تحيض - رائعة كانت أو غير رائعة - والبيع بهذا الشرط فاسد ، فإن غلب على ذلك فبيعه تام - وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وأبي سليمان .

                                                                                                                                                                                          وأوجبه مالك في الرائعة ، ولم يوجبه في غير الرائعة - : وهذا أول التناقض ، وفساد القول ، لأن غير الرائعة توطأ كما توطأ الرائعة ، وتحمل كما تحمل الرائعة .

                                                                                                                                                                                          ثم أعظم التناقض قولهم : إن الحيض لا يكون براءة من الحمل ، وإن الحامل قد تحيض ؟ فقلنا لهم : يا هؤلاء فلأي معنى أوجبتم منع المشتري من جاريته ، وأوجبتم هذا الشرط الفاسد الذي لم يوجبه قرآن ، ولا سنة ، ولا رواية فاسدة ، ولا قول صاحب ، ولا قياس ، ولا تورع ، ولا رأي يعقل ؟

                                                                                                                                                                                          وأنتم تقولون : إنها إذا حاضت أسلمت إليه ، وحل له التلذذ منها فيما فوق المئزر ، وحل له وطؤها بعد الطهر ، وممكن - عندكم - أن تكون حاملا من البائع حينئذ ، فأي فرق بين ما أبحتم له الآن ، وبين ما منعتموه منه قبل أن تحيض ، وخوف الحمل - : وفساد المبيع موجود في كلتا الحالتين ؟ فأي عجب أعجب من هذا

                                                                                                                                                                                          ولا خلاف بيننا وبينكم في أنه إن ظهر بها حمل بعد الحيض ، وبعد إباحتكم له وطأها ، فولدته لأقل من ستة أشهر - : فإن البيع مفسوخ ، وهي مردودة إلى البائع وولدها به لاحق ، إن كان قد أقر بوطئها ولم يدع استبراء - فأي منفعة للمواضعة ، أو أي معنى لها ؟ [ ص: 342 ]

                                                                                                                                                                                          فإن قالوا : إنما اتبعنا النص الوارد : { لا توطأ حائل حتى تحيض } ؟

                                                                                                                                                                                          قلنا : كلا ، بل خالفتم هذا النص بعينه ; لأنكم فرقتم بين الرائعة وغير الرائعة ، وليس هذا في الخبر ، ولا قاله أحد نعلمه قبلكم ، وفرقتم بين البكر وغير البكر ، وليس ذلك في الخبر ، وليس لكم أن تدعوا ههنا إجماعا ، فإن الحنفيين يقولون : إن البكر وغير البكر سواء ، لا توطأ واحدة منهما حتى تحيض ، أو حتى تستبرئ بما تستبرئ به التي لا تحيض - : وهذا خبر لم يصح ولو صح لقلنا به - لكنا نقول : لا يبيعها حتى يستبرئها بحيضة ، ولا يطؤها المشتري حتى يستبرئها كذلك احتياطا خوف الحمل فقط ، فإن أيقنا أن بها حملا من البائع فالبيع حرام إن كانت أم ولده ، وإن كان الحمل من غيره فالبيع حلال ، والوطء حرام حتى تضع وتطهر .

                                                                                                                                                                                          وهو مؤتمن على ذلك كائتمانه على ما حرم عليه من وطء الحائض ، والنفساء ولا فرق ، إذ لم يأت نص بغير ذلك ، ولا فرق بين ائتمانه على التي اشترى وبين ائتمانكم من تضعونها عنده لذلك .

                                                                                                                                                                                          وأنتم لا تفرقون بين الثقة وبين غير الثقة ههنا ، وفرقتم بين الرائعة وغير الرائعة - وهذا تخليط وتناقض .

                                                                                                                                                                                          وأما الحكم فيها إن ظهر بها حمل فسنذكره إن شاء الله تعالى في " كتاب الاستبراء " ببرهانه - ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية