الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 397 ] الثامن : الاستفسار وهو مقدم الاعتراضات ، وبه بدأ ابن الحاجب في جمع . ومعناه : طلب شرح معنى اللفظ إذا كان غريبا أو مجملا .

                                                      ويقع ب ( هل ) ، وبالهمزة ونحوها مما يسأل به عن التصور . فيستفسر عن صورة المسألة . ومعنى المقدمات حتى يتفقا على موضع العلة . ومن الفقهاء من لم يسمع الاستفسار وهو غلط ، فإن محل النزاع إذا لم يكن متحققا فربما لم يكن بينهما خلاف ، وربما يسلم المعاند ويرجع إلى الموافقة عند تحقيق المدعي . والأصح أن بيان اشتمال اللفظ على الإجمال والقرابة على المعترض . وقيل : بل على المستدل ، لأن شرط ظهور الدليل انتفاؤها عنه . . . والأصح الأول ، لأن الأصل عدم تفاوتهما ، فيبين المستدل عدمها أو يفسر بمحتمل . وفي دعواه الظهور في مقصوده دفعا للإجمال لعدم الظهور في الآخر خلاف . فإن اشتهر بالإجمال ، كالعين والقرء ، فلا يصح فيه دعوى الظهور قطعا . قاله الشريف . وذكر الخوارزمي في " النهاية " أنه إذا لم يكن في اللفظ احتمال أصلا وعني به شيئا لا يحتمله لفظه ، فقيل : لا يسمع العناية لأن اللفظ غير محتمل له فكيف يكون تفسيرا لكلامه ؟

                                                      والحق أنه يسمع ، لأن غايته أنه ناطق بلغة غير معلومة ولكن بعدما عرف المراد وعرف اللغة فلا يلجأ إلى الناظر بالعربية . ورجح ابن الحاجب وغيره الأول . وقال العميدي : لا يلزمه التفسير .

                                                      [ ص: 398 ] واعلم أن في عد هذا من الاعتراضات نظرا ، لأنه طليعة جيشها وليس من أقسامها ، إذ الاعتراض عبارة عما يخدش به كلام المستدل ، والاستفسار ليس من هذا القبيل ، بل هو يعرف المراد ويبين له ليتوجه عليه السؤال ، فإذا هو طليعة السؤال ، فليس بسؤال . بل حكى الهندي أن بعض الجدليين أنكر كونه اعتراضا ، لأن التصديق فرع دلالة الدليل على المنازع . تنبيه :

                                                      أطلقوا أن علته البيان . وهذا حيث لا يكون المعترض متعنتا يقصد تغليط خصمه ، فإن كان اكتفى منه بالجواب المجمل . وهذا كما حكي عن اليهود أنهم سألوا عن الروح ، وهو لفظ مشترك بين القرآن ، وجبريل ، وعيسى ، وملك يقال له ( الروح ) ، وروح الإنسان . وأضمروا أنه إن قال لهم : الروح ملك قالوا : بل هو روح الإنسان . وإن قال : روح الإنسان قالوا : بل هو ملك أو غير ذلك من مسميات الروح ، فعلم الله مكرهم فأجابهم مجملا كسؤالهم بقوله : { قل الروح من أمر ربي } وهو يتناول المسميات الخمسة وغيرها . هكذا ذكره صاحب " الإيضاح في خلق الإنسان " وقال : هذا هو السبب في الإجمال ، لا أن حقيقتها غير معلومة للبشر ، إذ قد دلت قواطع الشرع على تعيينها ، فقد يجمل المستدل لفظا احتياطا لنفسه في ميدان النظر ، بحيث إن توجه سؤال المعترض على أحد معنيي اللفظ تخلص منه بتعيين كلامه بالمعنى الآخر .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية