الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1460 - مسألة : ولا يحل بيع شيء غير معين من جملة مجتمعة ، لا بعدد ، ولا بوزن ، ولا بكيل - كمن باع رطلا ، أو قفيزا ، أو صاعا ، أو مديا أو أوقية من هذه الجملة من التمر ، أو البر ، أو اللحم ، أو الدقيق ، أو كل مكيل في العالم ، أو موزون كذلك .

                                                                                                                                                                                          وكمن باع ثلاثة من هذه البيض أو أربعة ، أو أي عدد كان ، أو من كل ما يعد ، أو كمن باع ذراعا أو ذراعين ، أو نحو ذلك من كل ما يذرع سواء استوت أبعاض كل ذلك أو لم تستو ، وإنما تجب أولا المساومة ، فإذا تراضيا : كال أو وزن ، أو ذرع ، أو عد .

                                                                                                                                                                                          فإذا تم ذلك تعاقد البيع حينئذ على تلك العين المكيلة أو الموزونة ، أو المذروعة ، أو المعدودة ، ثم بقي التخيير من أحدهما للآخر فيمضي ، أو يرد ، أو يتفرقا بأبدانهما - بزوال أحدهما عن الآخر - كما قدمنا قبل .

                                                                                                                                                                                          فلو تعاقدا البيع قبل ما ذكرنا من الكيل ، أو الوزن ، أو العد ، أو الذرع : لم يكن بيعا - وليس بشيء - وأجازه المالكيون فيما استوت أبعاضه : كالدقيق واللحم ، والتمر ، والزبيب ، ونحو ذلك ، ولم يجيزوه فيما اختلفت أبعاضه : كالبطيخ ، والقثاء ، والبيض ، والجواري ، والحيتان ، وسائر الحيوان والجوهر ، ونحو ذلك .

                                                                                                                                                                                          وأجاز أبو حنيفة بيع ثوب بغير عينه من ثوبين أو من ثلاثة يختاره المشتري ، ولم يجزه من أربعة أثواب - وهذا تخليط ناهيك به ؟

                                                                                                                                                                                          برهان صحة قولنا - : قول الله تعالى : { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } فحرم الله تعالى أخذ المرء مال غيره بغير تراض منهما وسماه باطلا .

                                                                                                                                                                                          وبضرورة الحس يدري كل أحد أن التراضي لا يمكن ألبتة إلا في معلوم متميز ، وكيف إن قال البائع : أعطيك من هذه الجهة ، وقال المشتري : بل من هذه الأخرى كيف العمل ؟ ومن جعل أحدهما بالإجبار على ما يكره من ذلك أولى من الآخر ، وهذا ظلم لا خفاء به . [ ص: 346 ]

                                                                                                                                                                                          وبرهان آخر - وهو { نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر } ، ولا غرر أكثر من أن لا يدري البائع أي شيء هو الذي باع ولا يدري المشتري أي شيء اشترى ، وهذا حرام بلا شك .

                                                                                                                                                                                          وبرهان ثالث - : وهو أنهم كلهم مجمعون معنا فيمن عقد مع آخر بيعا على هذه الجهة ، أو هذه الأخرى ، أو اشترى منه أما هذه الجهات ، أو هذه الأخرى - : فإنه بيع باطل مفسوخ لا يحل ، وهذا نفسه هو الذي أجازوا ههنا ، لا نقول : إنه تشبيه ، بل نقول : هو نفسه ولا بد .

                                                                                                                                                                                          وبرهان رابع - : وهو أن السلم عند أبي حنيفة ، ومالك لا يجوز حالا ، والسلم عندهم إنما هو يعقد على ذرع ما ، أو عدد ما ، أو كيل ما ، أو وزن ما ، ولا يجوز عندهم ، ولا عند الشافعيين في بعض صبرة بعينها ، وهذا هو نفسه الذي منعوا منه - وقولنا ههنا : هو قول أبي سليمان ، وأصحابنا ، وما نعلم للمخالفين حجة أصلا ، لا من قرآن ، ولا سنة ، ولا رواية سقيمة ، ولا نذكره الآن ، من قول متقدم ، ولا من قياس ، ولا من تورع أصلا .

                                                                                                                                                                                          ومن عجائب الدنيا - : إجازة الحنفيين هذا البيع ، ومنعهم من بيع ذراع من هذا الثوب ، محدود هذه الجهة ، إما في ذراع ، وإما في عرض الثوب ، أو في طوله : فأجازوا المجهول ، والمنكر ، ومنعوا المعروف - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية