الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
[ ص: 144 ] الحديث الثالث عن عبد الله بن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950192سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان ، رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم .
هذا الحديث خرجاه في " الصحيحين " من رواية عكرمة بن خالد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، وخرجه مسلم من طريقين آخرين ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، وله طرق أخرى عنه . وقد روي هذا الحديث من رواية nindex.php?page=showalam&ids=97جرير بن عبد الله البجلي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم وخرج حديثه nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد . وقد سبق في الحديث الذي قبله ذكر الإسلام . [ ص: 145 ] والمراد من هذا الحديث أن الإسلام مبني على هذه الخمس ، فهي كالأركان والدعائم لبنيانه ، وقد خرجه nindex.php?page=showalam&ids=17032محمد بن نصر المروزي في " كتاب الصلاة " ولفظه : بني الإسلام على خمس دعائم فذكره . والمقصود تمثيل الإسلام ببنيانه ودعائم البنيان هذه الخمس ، فلا يثبت البنيان بدونها ، وبقية خصال الإسلام كتتمة البنيان ، فإذا فقد منها شيء ، نقص البنيان وهو قائم لا ينتقض بنقص ذلك ، بخلاف نقض هذه الدعائم الخمس ؛ فإن الإسلام يزول بفقدها جميعا بغير إشكال ، وكذلك يزول بفقد الشهادتين ، nindex.php?page=treesubj&link=28655_29618والمراد بالشهادتين الإيمان بالله ورسوله . وقد جاء في رواية ذكرها nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري تعليقا : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950193بني الإسلام على خمس : الإيمان بالله ورسوله " وذكر بقية الحديث . وفي رواية لمسلم : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950194على خمس : على أن يوحد الله " وفي رواية له : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950195على أن يعبد الله ويكفر بما دونه " . وبهذا يعلم أن nindex.php?page=treesubj&link=28649_28653الإيمان بالله ورسوله داخل في ضمن الإسلام كما سبق تقريره في الحديث الماضي . وأما إقام الصلاة ، فقد وردت أحاديث متعددة تدل على أن من تركها ، فقد خرج من الإسلام ، ففي " صحيح مسلم " عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950196بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ، وروي مثله من حديث بريدة [ ص: 146 ] وثوبان وأنس وغيرهم . وخرج nindex.php?page=showalam&ids=17032محمد بن نصر المروزي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت ، ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950197لا تترك الصلاة متعمدا ، فمن تركها متعمدا ، فقد خرج من الملة . وفي حديث معاذ عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=950198رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة فجعل الصلاة كعمود الفسطاط الذي لا يقوم الفسطاط إلا به ولا يثبت إلا به ولو سقط العمود لسقط الفسطاط ولم يثبت بدونه وقال عمر : لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة ، وقال سعد [ ص: 147 ] nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي بن أبي طالب : من تركها ، فقد كفر . وقال عبد الله بن شقيق : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون من الأعمال شيئا تركه كفر غير الصلاة . وقال nindex.php?page=showalam&ids=12341أيوب السختياني : nindex.php?page=treesubj&link=23390ترك الصلاة كفر ، لا يختلف فيه . وذهب إلى هذا القول جماعة من السلف والخلف ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك وأحمد وإسحاق ، وحكى إسحاق عليه إجماع أهل العلم ! وقال nindex.php?page=showalam&ids=17032محمد بن نصر المروزي : هو قول جمهور أهل الحديث . وذهب طائفة منهم إلى أن من nindex.php?page=treesubj&link=10023ترك شيئا من أركان الإسلام الخمسة عمدا أنه كافر بذلك وروي ذلك ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ونافع والحكم ، وهو رواية عن أحمد اختارها طائفة من أصحابه ، وهو قول ابن حبيب من المالكية . وخرج nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني وغيره من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950199قيل : يا رسول الله ، الحج في كل عام ؟ قال : لو قلت : نعم ، لوجب عليكم ولو وجب عليكم ، ما أطقتموه ، ولو تركتموه لكفرتم . [ ص: 148 ] وخرج الالكائي من طريق مؤمل ، قال : حدثنا حماد بن زيد بن عمرو بن مالك النكري ، عن أبي الجوزاء ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، ولا أحسبه إلا رفعه قال : عرى الإسلام ، وقواعد الدين ثلاثة عليهن أسس الإسلام : شهادة أن لا إله إلا الله ، والصلاة ، وصوم رمضان . من ترك منهن واحدة ، فهو بها كافر ، حلال الدم ، وتجده كثير المال لم يحج فلا يزال بذلك كافرا ولا يحل بذلك دمه ، وتجده كثير المال فلا يزكي ، فلا يزال بذلك كافرا ولا يحل دمه ورواه nindex.php?page=showalam&ids=16818قتيبة بن سعيد عن nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد موقوفا مختصرا ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=85سعيد بن زيد أخو حماد ، عن عمرو بن مالك بهذا الإسناد مرفوعا ، وقال : ومن ترك منهن واحدة ، فهو بالله كافر ، ولا يقبل منه صرف ولا عدل ، وقد حل دمه وماله ولم يذكر ما بعده . وقد روي عن عمر ضرب الجزية على من لم يحج ، وقال : ليسوا بمسلمين . وعن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود أن تارك الزكاة ليس بمسلم ، وعن أحمد رواية : أن nindex.php?page=treesubj&link=10023ترك الصلاة والزكاة خاصة كفر دون الصيام والحج . وقال nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة : المرجئة سموا ترك الفرائض ذنبا بمنزلة ركوب المحارم ، وليس سواء ، لأن ركوب المحارم متعمدا من غير استحلال معصية ، وترك الفرائض من غير جهل ولا عذر هو كفر . وبيان ذلك في أمر إبليس وعلماء اليهود الذين أقروا بنعت النبي صلى الله عليه وسلم بلسانهم ، ولم يعملوا بشرائعه . [ ص: 149 ] وقد استدل أحمد وإسحاق على nindex.php?page=treesubj&link=10023_23390كفر تارك الصلاة بكفر إبليس بترك السجود لآدم ، وترك السجود لله أعظم . وفي " صحيح مسلم " عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950202إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد ، اعتزل إبليس يبكي ويقول : يا ويلي أمر ابن آدم بالسجود ، فسجد فله الجنة ، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار . واعلم أن هذه الدعائم الخمس بعضها مرتبط ببعض ، وقد روي أنه لا يقبل بعضها بدون بعض كما في " مسند nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد " عن زياد بن نعيم الحضرمي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=950203أربع فرضهن الله في الإسلام فمن أتى بثلاث لم يغنين عنه شيئا حتى يأتي بهن جميعا : الصلاة ، والزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت وهذا مرسل ، وقد روي عن زياد ، عن عمارة بن حزم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . وروي عن عثمان بن عطاء الخراساني ، عن أبيه ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الدين خمس لا يقبل الله منهن شيئا دون شيء : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ، وبالجنة والنار ، والحياة بعد الموت هذه واحدة ، والصلوات الخمس عمود الدين لا يقبل الله الإيمان إلا بالصلاة ، والزكاة طهور من الذنوب ، ولا يقبل الله الإيمان ولا الصلاة إلا بالزكاة ، فمن فعل هؤلاء ، ثم جاء رمضان فترك صيامه متعمدا [ ص: 150 ] لم يقبل الله منه الإيمان ، ولا الصلاة ، ولا الزكاة ، فمن فعل هؤلاء الأربع ثم تيسر له الحج ، فلم يحج ، ولم يوص بحجة ، ولم يحج عنه بعض أهله ، لم يقبل الله منه الأربع التي قبلها ذكره nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم وقال سألت أبي عنه فقال : هذا حديث منكر يحتمل أن هذا من كلام nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخرساني . قلت : الظاهر أنه من تفسيره لحديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، وعطاء من أجلاء علماء الشام . وقال nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : من لم يزك ، فلا صلاة له ، ونفي القبول هنا لا يراد به نفي الصحة ، ولا وجوب الإعادة بتركه ، وإنما يراد بذلك انتفاء الرضا به ، ومدح عامله ، والثناء بذلك عليه في الملأ الأعلى ، والمباهاة به للملائكة . فمن قام بهذه الأركان على وجهها ، حصل له القبول بهذا المعنى ، ومن قام ببعضها دون بعض ، لم يحصل له ذلك ، وإن كان لا يعاقب على ما أتى به منها عقوبة تاركه ، بل تبرأ به ذمته ، وقد يثاب عليه أيضا . ومن هاهنا يعلم أن ارتكاب بعض المحرمات التي ينقص بها الإيمان تكون مانعة من قبول بعض الطاعات ، ولو كان من بعض أركان الإسلام بهذا المعنى الذي ذكرناه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=950205من شرب الخمر لم يقبل الله له صلاة أربعين يوما وقال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950206من أتى عرافا فصدقه بما يقول ، لم تقبل له صلاة أربعين يوما وقال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950207أيما عبد أبق من مواليه ، لم تقبل له صلاة . [ ص: 151 ] وحديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر يستدل به على أن الاسم إذا شمل أشياء متعددة ، لم يزل زوال الاسم بزوال بعضها ، فيبطل بذلك قول من قال : إن الإيمان لو دخلت فيه الأعمال للزم أن يزول بزوال عمل مما دخل في مسماه ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل هذه الخمس دعائم الإسلام ومبانيه ، وفسر بها الإسلام في حديث جبريل ، وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=55طلحة بن عبيد الله الذي فيه أن أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام ، ففسره له بهذه الخمس . ومع هذا فالمخالفون في الإيمان يقولون : لو زال من الإسلام خصلة واحدة ، أو أربع خصال سوى الشهادتين ، لم يخرج بذلك من الإسلام . وقد روى بعضهم أن جبريل سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شرائع الإسلام ، لا عن الإسلام ، وهذه اللفظة لم تصح عند أئمة الحديث ونقاده ، منهم nindex.php?page=showalam&ids=12013أبو زرعة الرازي ، nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم بن الحجاج ، nindex.php?page=showalam&ids=14798وأبو جعفر العقيلي وغيرهم . وقد ضرب العلماء مثل الإيمان بمثل شجرة لها أصل وفروع وشعب ، فاسم الشجرة يشتمل على ذلك كله ، ولو زال شيء من شعبها وفروعها لم يزل عنه اسم الشجرة ، وإنما يقال هي شجرة ناقصة أو غيرها أتم منها . وقد ضرب الله مثل الإيمان بذلك في قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=24ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ( إبراهيم : 24 ) . والمراد بالكلمة كلمة التوحيد ، وبأصلها التوحيد الثابت في القلوب ، وأكلها : هو الأعمال الصالحة الناشئة منه . وضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثل المؤمن والمسلم بالنخلة ولو زال شيء من فروع [ ص: 152 ] النخلة ، أو من ثمرها ، لم يزل بذلك عنها اسم النخلة بالكلية ، وإن كانت ناقصة الفروع أو الثمر . ولم يذكر الجهاد في حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر هذا ، مع أن nindex.php?page=treesubj&link=7862الجهاد أفضل الأعمال ، وفي رواية nindex.php?page=hadith&LINKID=950209أن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قيل له : فالجهاد ؟ قال الجهاد حسن ، ولكن هكذا حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . خرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد . وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل nindex.php?page=hadith&LINKID=950198إن رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد ، وذروة سنامه : أعلى شيء فيه ، ولكنه ليس من دعائمه وأركانه التي بني عليها ، وذلك لوجهين : أحدهما : أن nindex.php?page=treesubj&link=7918الجهاد فرض كفاية عند جمهور العلماء ، ليس بفرض عين بخلاف هذه الأركان . والثاني : أن nindex.php?page=treesubj&link=7918_20700الجهاد لا يستمر فعله إلى آخر الدهر ، بل إذا نزل عيسى عليه السلام ، ولم يبق حينئذ ملة غير ملة الإسلام ، فحينئذ تضع الحرب أوزارها ، ويستغني عن الجهاد بخلاف هذه الأركان ، فإنها واجبة على المؤمنين إلى أن يأتي أمر الله وهم على ذلك ، والله أعلم .