الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم هلك هذا الملك ، وقام بعده آخر ، فنصب يهودا أسقفا على بيت المقدس . قال ابن البطريق : فمن يعقوب أسقف بيت المقدس الأول إلى يهودا أسقفه هذا كانت الأساقفة الذين على بيت المقدس كلهم مجبوبين .

[ وعاد البلاء ]

ثم ولي بعده آخر فأثار على النصارى بلاء شديدا وحزنا طويلا ، ووقع في أيامه [ ص: 545 ] قحط شديد كاد الناس أن يهلكوا ، فسألوا النصارى أن يبتهلوا إلى إلههم ، فدعوا وابتهلوا إلى الله فأمطروا وارتفع القحط والوباء .

قال ابن البطريق : وفي زمانه كتب بترك الإسكندرية إلى أسقف بيت المقدس ، وبترك أنطاكية وبترك رومية في ( كتاب ) فصح النصارى وصومهم ، وكيف يستخرج من فصح اليهود ، فوضعوا فيها كتبا على ما هي اليوم .

قال : وذلك أن النصارى كانوا بعد صعود المسيح إذا عيدوا عيد الغطاس من الغد يصومون أربعين يوما ، ويفطرون كما فعل المسيح ، لأنه لما اعتمد بالأردن خرج إلى البرية فأقام بها صائما أربعين يوما .

وكان النصارى إذا أفصح اليهود عيدوا هم الفصح ، فوضع هؤلاء البتاركة حسابا للفصح ليكون فطرهم ( يوم الفصح ) ، وكان المسيح يعيد مع اليهود في عيدهم ، فاستمر على ذلك أصحابه إلى أن ابتدعوا تغيير الصوم ، فلم يصوموا عقيب الغطاس ، بل نقلوا الصوم إلى وقت لا يكون عيدهم مع ( عيد ) اليهود .

ثم مات ذلك الملك ، وقام بعده آخر ، وفي زمنه كان جالينوس ، وفي زمنه ظهرت الفرس ، وغلبت على بابل وآمد وفارس ، وتملك أزدشير بن بابك في [ ص: 546 ] ( إصطخر ) وهو أول ملك على فارس في المدة الثانية .

ثم مات قيصر وقام بعده آخر ، ثم آخر ، وكان شديدا على النصارى عذبهم عذابا شديدا ، وقتل خلقا كثيرا منهم ، وقتل كل عالم فيهم ، ثم قتل من كان بمصر والإسكندرية من النصارى ، وهدم الكنائس ، وبنى بالإسكندرية هيكلا وسماه هيكل الآلهة .

ثم قام بعده قيصر آخر ، ثم آخر وكانت النصارى في زمنه في هدوء وسلامة ، وكانت تحت ذمة - أي تحت ذمة الروم .

ثم قام بعده آخر فأثار على النصارى بلاء عظيما وقتل منهم خلقا ، وأخذ الناس بعبادة الأصنام ، وقتل من الأساقفة خلقا كثيرا منهم وقتل كل عالم فيهم ، وقتل بترك أنطاكية ، فلما سمع بترك بيت المقدس بقتله هرب وترك الكرسي .

ثم هلك وقام بعده آخر ، وفي أيام هذا ظهر ماني الكذاب ، وزعم أنه نبي ، وكان كثير الحيل والمخاريق ، فأخذه بهرام ملك الفرس فشقه نصفين ، وأخذ من أتباعه مائتي رجل فغرس رءوسهم في الطين منكسين حتى ماتوا .

[ ص: 547 ] ثم قام من بعده فيليبس فآمن بالمسيح فوثب عليه بعض قواده فقتله ، ثم قام بعده ذانقيوس ، ويسمى دقيانوس فلقي النصارى منه بلاء عظيما ، وقتل منهم ما لا يحصى ، وقتل بترك رومية ، وبنى بكنيستها هيكلا عظيما وجعل فيه الأصنام ، وأمر أن يسجد لها ويذبح لها ، ومن لم يفعل يقتل ، فقتل خلقا كثيرا من النصارى ، وصلبوا على الهيكل ، واتخذ من أولاد عظماء المدينة سبعة غلمان ، فجعلهم خاصته فقدمهم على جميع من عنده ، وكانوا لا يسجدون للأصنام ، فأعلم الملك بخبرهم ، فحبسهم ثم أطلقهم ، وخرج إلى مخرج له ، فأخذ الفتية كل مالهم فتصدقوا به ، ثم خرجوا إلى جبل عظيم فيه كهف كبير ، فاختفوا فيه ، وصب الله عليهم النعاس فناموا كالأموات ، وأمر الملك أن يبنى عليهم باب الكهف كي يموتوا ، فأخذ قائد من قواده صفيحة من نحاس ، فيها أسماؤهم وقصتهم مع دقيانوس ، وصيرها في صندوق من نحاس ، ودفنه داخل الكهف وسده ، ثم مات الملك ، ثم قام بعده قيصر آخر ، وفي زمنه جعل في أنطاكية بتركا [ ص: 548 ] يسمى بولس الشمشاطي وهو أول من ابتدع في شأن المسيح اللاهوت والناسوت وكانت النصارى قبله كلمتهم واحدة أنه عبد رسول مخلوق ومربوب لا يختلف فيه اثنان منهم ، فقال : بولس هذا - وهو أول من أفسد النصارى وأفسد دينهم - إن سيدنا عيسى خلق من اللاهوت إنسانا كواحد منا في جوهره ، أن ابتداء الابن من مريم ، وأنه اصطفي ليكون مخلصا للجوهر الإنسي ، وصحبته النعمة الإلهية فحلت فيه بالمحبة والمشيئة ، ولذلك سمي ابن الله ، وقال : إن الله جوهر واحد وأقنوم واحد .

وقال سعيد بن بطريق : وبعد موته اجتمع ثلاثة عشر أسقفا في مدينة أنطاكية ، ونظروا في مقالة بولس ، وأوجبوا عليه اللعن فلعنوه ولعنوا من يقول قوله وانصرفوا .

ثم قام قيصر آخر فكانت النصارى في زمنه يصلون في المطامير والبيوت فزعا من الروم ، ولم يكن بترك الإسكندرية يظهر ، خوفا أن يقتل ، فقام ( بارون ) بتركا ، فلم يزل يداري الروم حتى بنى بالإسكندرية كنيسة .

ثم قام قياصرة أخر ، منهم اثنان تملكا على الروم إحدى وعشرين سنة ، فأثارا على النصارى بلاء عظيما ، وعذابا أليما ، وشدة تجل عن الوصف في القتل والعذاب واستباحة الحريم والأموال ، وقتلا ألوفا مؤلفة من النصارى ، وعذبوا مارجرجس أشد [ ص: 549 ] العذاب ثم قتلوه ، وفي زمانهما ضربت عنق بطرس بترك الإسكندرية ، وكان له تلميذان .

وكان في زمنه آريوس ، يقول : إن الأب وحده الله الفرد الصمد ، والابن مخلوق مصنوع ، وقد كان الأب إذا لم يكن الابن .

وقال بطرس لتلميذيه : إن المسيح لعن آريوس فاحذرا أن تقبلا قوله ، فإني رأيت المسيح في النوم مشقوق الثوب ، فقلت : يا سيدي ! من شق ثوبك ؟ فقال لي : آريوس فاحذروا أن تقبلوه أو يدخل معكم الكنيسة .

وبعد قتل بطرس بخمس سنين صير أحد تلميذيه بتركا على الإسكندرية ، فأقام ستة أشهر ومات ، ولما جرى على آريوس ما جرى ، أظهر أنه رجع عن مقالته ، فقبله هذا البترك وأدخله الكنيسة وجعله قسيسا .

ثم قام قيصر آخر فجعل يتطلب النصارى ويقتلهم حتى صب الله عليه الهلاك فهلك بشر هلكة .

ثم قام بعده قيصران :

( أحدهما ) ملك الشام وأرض الروم وبعض الشرق .

( والآخر ) رومية وما جاورها ، وكانا كالسباع الضارية على النصارى ، فعلا بهم من القتل والسبي والجلاء ما لم يفعله بهم ملك قبلهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية