الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون

                                                                                                                                                                                                                                      ولا ينفعكم نصحي النصح كلمة جامعة لكل ما يدور عليه الخير من قول أو فعل، وحقيقته إمحاض إرادة الخير والدلالة عليه، ونقيضه الغش، وقيل: هو إعلام موقع الغي ليتقى وموضع الرشد ليقتفي إن أردت أن أنصح لكم شرط حذف جوابه لدلالة ما سبق عليه، والتقدير: إن أردت أن أنصح لكم لا ينفعكم نصحي، وهذه الجملة دليل على ما حذف من جواب قوله تعالى: إن كان الله يريد أن يغويكم والتقدير: إن كان الله يريد أن يغويكم فإن أردت أن أنصح لكم لا ينفعكم نصحي، هذا على ما ذهب إليه البصريون من عدم تقديم الجزاء على الشرط، وأما على ما ذهب إليه الكوفيون من جوازه فقوله عز وعلا: "ولا ينفعكم نصحي" جزاء للشرط الأول، والجملة جزاء للشرط الثاني، وعلى التقديرين فالجزاء متعلق بالشرط الأول، وتعلقه به معلق بالشرط الثاني، وهذا الكلام متعلق بقولهم: "قد جادلتنا فأكثرت جدالنا" صدر عنه - صلى الله عليه وسلم - إظهارا للعجز عن إلزامهم بالحجج والبينات لتماديهم في العناد، وإيذانا بأن ما سبق منه ليس بطريق الجدال والخصام، بل [ ص: 205 ] بطريق النصيحة لهم والشفقة عليهم، وبأنه لم يأل جهدا في إرشادهم إلى الحق وهدايتهم إلى سبيله المستبين وإمحاض النصح لهم، ولكن لا ينفعهم ذلك عند إرادة الله تعالى لإغوائهم، وتقييد عدم نفع النصح بإرادته - مع أنه محقق لا محالة - للإيذان بأن ذلك النصح منه مقارن للإرادة والاهتمام به، ولتحقيق المقابلة بين ذلك وبين ما وقع بإزائه من إرادته تعالى لإغوائهم، وإنما اقتصر في ذلك على مجرد إرادة الإغواء دون نفسه، حيث لم يقل: إن كان الله يغويكم - مبالغة في بيان غلبة جنابه عز وعلا، حيث دل ذلك على أن نصحه المقارن للاهتمام به لا يجديهم عند مجرد إرادة الله سبحانه لإغوائهم، فكيف عند تحقيق ذلك وخلقه فيهم، وزيادة (كان) للإشعار بتقدم إرادته تعالى زمانا كتقدمها رتبة، وللدلالة على تجددها واستمرارها، وإنما قدم على هذا الكلام ما يتعلق بقولهم: "فأتنا بما تعدنا" من قوله تعالى: "إنما يأتيكم به الله إن شاء" ردا عليهم من أول الأمر، وتسجيلا عليهم بحلول العذاب مع ما فيه من اتصال الجواب بالسؤال، وفيه دليل على أن إرادته تعالى يصح تعلقها بالإغواء، وأن خلاف مراده غير واقع، وقيل: معنى (أن يغويكم) أن يهلككم من غوى الفصيل غوى إذا بشم وهلك هو ربكم خالقكم ومالك أمركم وإليه ترجعون فيجازيكم على أعمالكم لا محالة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية