الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين

                                                                                                                                                                                                وصفت "الموازين " : بالقسط ، وهو العدل ؛ مبالغة ، كأنها في أنفسها قسط ، أو على حذف المضاف ، أي : ذوات القسط ، واللام في "ليوم القيامة " : مثلها في قولك : جئته لخمس ليال خلون من الشهر ؛ ومنه بيت النابغة [من الطويل ] :


                                                                                                                                                                                                ترسمت آيات لها فعرفتها لستة أعوام وذا العام سابع



                                                                                                                                                                                                وقيل : لأهل يوم القيامة ، أي لأجلهم .

                                                                                                                                                                                                فإن قلت : ما المراد بوضع الموازين ؟

                                                                                                                                                                                                قلت : فيه قولان :

                                                                                                                                                                                                أحدهما : إرصاد الحساب السوي ، والجزاء على حسب الأعمال بالعدل والنصفة ، من غير أن يظلم عباده مثقال ذرة ، فمثل ذلك بوضع الموازين لتوزن بها الموزونات .

                                                                                                                                                                                                [ ص: 149 ] والثاني : أنه يضع الموازين الحقيقية ويزن بها الأعمال ، عن الحسن : هو ميزان له كفتان ولسان ، ويروى : أن داود -عليه السلام- سأل ربه أن يريه الميزان ، فلما رآه غشي عليه ، ثم أفاق فقال : يا إلهي ، من الذي يقدر أن يملأ كفته حسنات ، فقال : يا داود ، إني إذا رضيت عن عبدي ملأتها بتمرة .

                                                                                                                                                                                                فإن قلت : كيف توزن الأعمال وإنما هي أعراض ؟

                                                                                                                                                                                                قلت : فيه قولان :

                                                                                                                                                                                                أحدهما : توزن صحائف الأعمال .

                                                                                                                                                                                                والثاني : تجعل في كفة الحسنات جواهر بيض مشرقة ، وفي كفة السيئات جواهر سود مظلمة ، وقرئ : " مثقال حبة " على " كان" التامة ؛ كقوله تعالى : وإن كان ذو عسرة [البقرة : 280 ] ، وقرأ ابن عباس ومجاهد : "أتينا بها " ، وهي مفاعلة من الإتيان ، بمعنى : المجازاة والمكافأة ؛ لأنهم أتوه بالأعمال وأتاهم بالجزاء ، وقرأ حميد : "أثبنا بها " : من الثواب ، وفي حرف أبي : "جئنا بها " ، وأنث ضمير المثقال ؛ لإضافته إلى الحبة ؛ كقولهم : ذهبت بعض أصابعه ، أي : آتيناهما .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية