الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما انقضت القصة على هذا الوجه الرائع، أتبعها قصة لوط عليه السلام إذ كانت أشهر الوقائع بعدها وهي أفظع منها وأروع، وقدم عليها ما يتعلق بها من أمر إبراهيم عليه السلام، ذكر بشراه لما في ذلك كله من التنبيه لمن تعنت بطلب إنزال الملائكة في قولهم: أو جاء معه ملك على أن ذلك ليس عزيزا عليه. وقد أكثر من فعله ولكن نزولهم مرهب، وأمرهم عند المكاشفة مرعب، وأما مع الستر فلا يقطع تعنتهم، هذا مع ما في ذلك من مناسبة أمر هذا الولد لأمر الناقة في تكوين كل منهما بخارق للعادة إشارة إلى تمام القدرة وكمال العلم المبني عليه أمر السورة في إحكام الكتاب وتفصيله وتناسب جدالي نوح وإبراهيم عليهما السلام في أن كلا منهما شفقة على الكافرين ورجاء لنجاتهم من العذاب بحسن المثاب، ولعله سبحانه كرر "لقد" في صدرها عطفا على ما في قصة نوح للتنبيه على مثل الأغراض، لأن "قد" للتوقع فجاءت لتؤذن بأن السامع في حال توقع لذلك؛ لأنه إذا انقضت قصة الخبر عما بعدها فقال تعالى: ولقد قال الرماني : ودخلت اللام لتأكيد الخبر كما يؤكد [ ص: 329 ] القسم جاءت رسلنا أي الذين عظمتهم من عظمتنا، قيل: كانوا جبرائيل وميكائيل وإسرافيل عليهم السلام إبراهيم هو خليل الله عليه السلام بالبشرى أي التي هي من أعظم البشائر وهي إكرامه بإسحاق عليه السلام ولدا له من زوجته سارة رضي الله عنها، [جاءوه] في الصفة التي يحبها وهي صفة الأضياف، فلم يعرفهم مع أنه الخليل بل أنكرهم كما قال تعالى في الذاريات: قال سلام قوم منكرون فيحمل إنكاره أولا على الاستغراب بمعنى أنه لم ير عليهم زي أهل تلك البلاد ولا أثر السفر، فكأنه قيل: ما كان من أمرهم؟ فقيل: قالوا سلاما أي: سلمنا عليك سلاما عظيما قال سلام أي: ثابت دائم عليكم لا زوال له أبدا، فللرفع مزية على النصب؛ لأنه إخبار عن ثابت، والنصب تجديد ما لم يكن، فصار مندرجا \ في فحيوا بأحسن منها ثم أكرم نزلهم وذهب يفعل ما طبعه الله عليه من سجايا الكرم وأفعال الكرام في أدب الضيافة من التعجيل مع الإتقان فما لبث أي: [فتسبب عن مجيئهم وتعقبه أنه] ما تأخر أن جاء بعجل حنيذ أي: مشوي على حجارة محماة في أخدود [وفوقه حجارة محماة ليشتد نضجه، فكان بعد الشي] يقطر دسمه لأنه سمين، كل ذلك وهو لا يعرف أنهم ملائكة، بل هو قاطع بأنهم ممن يأكل، وهذا ناظر إلى قول قوم نوح [ ص: 330 ] وما نرى لكم علينا من فضل وقوله: ولا أقول للذين تزدري أعينكم الآية. أي إن الله جعل المعاني في القلوب وناط بها السعادة والشقاوة، وقد تخفى تلك المعاني كما خفي على أكمل أهل ذلك الزمان أن ضيفه ملائكة حتى خاف منهم وقد أتوه بالبشرى، فلا ينبغي لأحد أن يحتقر أحدا إلا بما أذن الله فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية