الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فصل :

154 - أخبرنا محمد بن الحسن بن سليم ، ثنا عبد الملك بن محمد بن بشران ، أنا أبو الحسن أحمد بن إسحاق بن نيخاب الطيبي ، ثنا محمد بن نصر ، ثنا علي بن سعيد ، ثنا إدريس بن عبد الله ، ثنا إبراهيم بن سليمان بن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبيه ، قال : خرج جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - في طلب حديث سمعه ، وهو صاحب له من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بيت المقدس ، فلما انتهى إلى جبال بيت المقدس ، فإذا رهبان جلوس نحو من ثلاثين راهبا ، فقال لهم جابر : ما حبسكم هاهنا ؟ قالوا : صاحب لنا في الجبل نجيئه في كل سنة في هذا اليوم ، فنستفيد من علمه ، قال جابر : والله لأفرغن نفسي اليوم لله عز [ ص: 142 ] وجل هل علم إلا علم محمد - صلى الله عليه وسلم - ، قال : فخرج عليهم شيخ بيده عصا أسود ، وعليه مسوح ، وقد وقع حاجباه على عينيه ، فالتفت إلى القوم ، فإذا جابر بن عبد الله عليه البياض ، فقال لهم : من هذا ؟ قالوا : هذا جابر بن عبد الله جليس محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فقال الشيخ : ادنه ، فدنا ، فقال : أمن علمائهم أنت أم من جهالهم ؟ فقال جابر : لست من علمائهم ، ولا من جهالهم ، فقال : زعمتم أن أهل الجنة يأكلون ، ويشربون ، ولا يتغوطون ، فهل نظيره في الدنيا ؟ قال : نعم ، قال : وما هو ؟ قال : الوليد في بطن أمه تسعة أشهر يأكل ، ويشرب بأكل أمه ، ولا يتغوط ، قال : ألست تقول إني لست من علمائهم ، ولا من جهالهم ؟ قال : نعم ، لست من علمائهم ، ولا من جهالهم ، قال : فإن أهل الجنة يأكلون من ثمار الجنة ، ولا ينقص من ثمار الجنة شيئا هل له نظير في الدنيا ؟ قال : نعم ، العالم يأتيه الألف ، والألفان ، والثلاثة يأخذون من علمه ، ولا ينقص من علمه شيئا ، ولا من كتاب الله - عز وجل - ، قال : ألست تقول إنك لست من علمائهم ، ولا من جهالهم ؟ قال : نعم ، لست من علمائهم ، ولا من جهالهم ، قال : فإن الله - عز وجل - يقول : ( له مقاليد السماوات والأرض ) ما هذه المقاليد ؟ أمن ذهب أو فضة أو نحاس أو حديد ؟ قال : ما هي من ذهب ، ولا فضة ، ولا نحاس ، ولا حديد ، بل هو التسبيح ، والتهليل ، والتقديس ، والتكبير ، فغضب الشيخ ، وقال : ألست تقول إني لست من علمائهم ، ولا من جهالهم ؟ قال : لست من علمائهم ، ولا من جهالهم ، قال : يقول الله - عز وجل - : هم الأولون ، وهم الآخرون ، قال : صدق الله - عز وجل - ، هم أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - هي أول أمة تدخل الجنة ، وآخر أمة أخرجت للناس ، قال : ادنه واستفد من علمي ، قال : ما أرجو من علم أستفيد منك ، وأنت تدعي مع الله إلها آخر ، قال القس : لكني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا رسول الله ، وأن الجنة حق ، والنار حق ، وأن الله يبعث من في القبور ، والله لقد أحببت محمدا ، وأنا ابن سبع سنين ، ولقد وجدت نعته في الإنجيل ، فإن أنت لقيت محمدا ، فأقره مني السلام ، وإن لم ألقه ليذهبن في قلبي منه غصة قم ، فأنت ، والله الناظر لأهل ملتك ، المزين لأهل دينك ، وأسلم طائفة منهم ، وتفرق الآخرون .

[ ص: 143 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية