الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 550 ] وملك معهما قسطنطين أبو قسطنطين ، وكان دينا مبغضا للأصنام محبا للنصارى ، فخرج إلى ناحية الجزيرة والرها ، فنزل في قرية من قرى الرها ، فرأى هناك امرأة جميلة يقال لها : هيلانة ، وكانت قد تنصرت على يد أسقف الرها ، وتعلمت قراءة الكتب فخطبها قسطنطين من أبيها فزوجها منه فحبلت منه ، وولدت قسطنطين فتربى بالرها ، وتعلم حكمة اليونان ، وكان جميل الوجه قليل الشر محبا للحكمة .

وكان علانيوس ملك الروم حينئذ رجلا فاجرا شديد البأس ، مبغضا للنصارى جدا ، كثير القتل منهم ، محبا للنساء ، لم يترك للنصارى بنتا جميلة إلا أفسدها وكذلك أصحابه ، وكان النصارى في جهد شديد معهم ، فبلغه خبر قسطنطين وأنه غلام هادئ قليل الشر كثير الخير كثير العلم ، وأخبره المنجمون والكهنة أنه سيملك ملكا عظيما ، فهم بقتله فهرب قسطنطين من الرها ، ووصل إلى أبيه فسلم إليه الملك ، ثم مات أبوه ، وصب الله على علانيوس أنواعا من البلاء ، حتى تعجب الناس مما ناله ، ورحمه أعداؤه مما حل به ، فرجع إلى نفسه ، وقال : لعل هذا بسبب ظلم النصارى ، فكتب إلى جميع عماله أن يطلقوا النصارى من الحبوس ، وأن يكرموهم ويسألوهم أن يدعوا له في صلاتهم ، فوهب الله له العافية ، ورجع إلى أفضل ما كان عليه من الصحة والقوة ، فلما صح وقوي رجع إلى شر ما كان عليه ، وكتب إلى عماله أن يقتلوا النصارى ، وأن لا يدعوا في مملكتهم نصرانيا ، ولا يسكنوا له مدينة ولا قرية ، فكان القتلى يحملون على العجل ويرمى بهم في البحر والصحارى .

التالي السابق


الخدمات العلمية