الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 177 ) مسألة : قال : ويأتي بالطهارة عضوا بعد عضو ، كما أمر الله تعالى وجملة ذلك : أن الترتيب في الوضوء على ما في الآية واجب عند أحمد لم أر عنه فيه اختلافا ، وهو مذهب الشافعي وأبي ثور وأبي عبيد وحكى أبو الخطاب رواية أخرى عن أحمد أنه غير واجب . وهذا مذهب مالك والثوري وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                            وروي أيضا عن سعيد بن المسيب وعطاء والحسن وروي عن علي ومكحول والنخعي والزهري والأوزاعي فيمن نسي مسح رأسه ، فرأى في لحيته بللا : يمسح رأسه به ، ولم يأمروه بإعادة غسل رجليه . واختاره ابن المنذر ; لأن الله تعالى أمر بغسل الأعضاء ، وعطف بعضها على بعض بواو الجمع ، وهي لا تقتضي الترتيب ، فكيفما غسل كان ممتثلا .

                                                                                                                                            وروي عن علي وابن مسعود : ما أبالي بأي أعضائي بدأت . وقال ابن مسعود : لا بأس أن تبدأ برجليك قبل يديك في الوضوء . ولنا أن في الآية قرينة تدل على أنه أريد بها الترتيب ; فإنه أدخل ممسوحا بين مغسولين ، والعرب لا تقطع النظير عن نظيره إلا لفائدة ، والفائدة هاهنا الترتيب .

                                                                                                                                            فإن قيل : فائدته استحباب الترتيب . قلنا : الآية ما سيقت إلا [ ص: 93 ] لبيان الواجب ; ولهذا لم يذكر فيها شيئا من السنن ; ولأنه متى اقتضى اللفظ الترتيب كان مأمورا به ، والأمر يقتضي الوجوب ; ولأن كل من حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم حكاه مرتبا ، وهو مفسر لما في كتاب الله تعالى ، وتوضأ مرتبا ، وقال : { هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به } . أي بمثله ، وما روي عن علي وابن مسعود قال أحمد : إنما عنيا به اليسرى قبل اليمنى ; لأن مخرجهما من الكتاب واحد .

                                                                                                                                            ثم قال أحمد : حدثنا جرير ، عن قابوس ، عن أبيه ، أن عليا سئل ، فقيل له : أحدنا يستعجل ، فيغسل شيئا قبل شيء ؟ قال : لا . حتى يكون كما أمر الله تعالى ، والرواية الأخرى عن ابن مسعود ولا يعرف لها أصل .

                                                                                                                                            ( 178 ) فصل : ولا يجب الترتيب بين اليمنى واليسرى ، لا نعلم فيه خلافا ; لأن مخرجهما في الكتاب واحد . قال الله تعالى : { وأيديكم وأرجلكم . } والفقهاء يعدون اليدين عضوا ، والرجلين عضوا ، ولا يجب الترتيب في العضو الواحد ، وقد دل على ذلك قول علي وابن مسعود .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية