الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم

قوله تعالى: "فذرهم" وما جرى مجراه من الموادعة منسوخ بآية السيف، وقرأ أبو جعفر وأبو عمرو -بخلاف عنه-: "يلقوا"، والجمهور على "يلاقوا". واختلف الناس في اليوم الذي توعدوا به، فقال بعض المتأولين: هو موتهم واحدا واحدا، وهذا على تجوز، و"الصعق": التعذيب في الجملة وإن كان الاستعمال قد كثر فيه فيما يصيب الإنسان من الصيحة المفرطة ونحوه، ويحتمل أن يكون اليوم الذي توعدوا به يوم بدر لأنهم عذبوا فيه، وقال الجمهور: التوعد بيوم القيامة لأن فيه صعقة تعم جميع الخلائق، لكن لا محالة أن بين صعقة المؤمن وصعقة الكافر فرقا، وقرأ جمهور القراء: "يصعقون" من: صعق الرجل بكسر العين، وقرأ أبو عبد الرحمن : "يصعقون" بفتح الياء وكسر العين، وقرأ عاصم ، وابن عامر ، وأهل مكة -في قول شبل-: "يصعقون" بضم الياء وفتح العين، وذلك من :أصعق الرجل غيره، وحكى الأخفش : "صعق الرجل" بضم الصاد وكسر العين، قال أبو علي : فجائز أن يكون منه، فهو مثل "يصرفون"، قال أبو حاتم : وفتح أهل مكة الياء في قول إسماعيل.

و"يغني" معناه: يكون منه غناء ودفاع، ثم أخبر تعالى بأنهم لهم دون هذا اليوم -أي: قبله - عذاب، واختلف الناس في تعيينه، فقال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: هو بدر والفتح ونحوه، وقال مجاهد : هو الجوع الذي أصاب قريشا، وقال البراء بن عازب ، وابن عباس أيضا: هو عذاب القبر، ونزع ابن عباس رضي الله عنهما وجود عذاب القبر بهذه الآية، وقال ابن زيد : هو مصائب الدنيا في الأجسام وفي الأحبة وفي الأموال، هي للمؤمنين رحمة وللكافرين عذاب، وفي قراءة ابن مسعود رضي الله عنه: "دون ذلك قريبا ولكن لا يعلمون". ثم أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر لحكم الله تبارك وتعالى والمضي على نذارته ووعده بقوله تعالى: فإنك بأعيننا ، ومعناه: بإدراكنا وأعين حفظنا وحيطتنا، كما تقول: فلان يرعاه الملك بعين، وهذه الآية ينبغي أن يقدرها كل مؤمن في نفسه [ ص: 102 ] فإنها تفسح مضايق الدنيا، وقرأ أبو السمال: "بأعينا" بنون واحدة مشددة.

واختلف الناس في قوله تعالى: وسبح بحمد ربك ، فقال أبو الأحوص عوف بن مالك : هو التسبيح المعروف، أن يقول في كل قيام: سبحان الله وبحمده، وقال عطاء : المعنى: حين تقوم من كل مجلس، وقال ابن زيد : التسبيح هنا هو صلاة النوافل، وقال الضحاك ، وابن زيد : هذه إشارة إلى الصلوات المفروضة، فقوله تعالى: "حين تقوم": الظهر والعصر، أي: حين تقوم من نوم القائلة، و قوله تعالى: ومن الليل المغرب والعشاء، وقوله تعالى: وإدبار النجوم :الصبح، ومن قال هي النوافل جعل "إدبار النجوم" ركعتي الفجر، وعلى هذا القول جماعة كثيرة منهم: عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وأبو هريرة ، والحسن ، رضي الله عنهم، وقد روي مرفوعا، ومن جعله التسبيح المعروف جعل قوله تعالى: "حين تقوم" مثالا، أي: وحين تقعد وفي كل تصرفك، وحكى منذر عن الضحاك أن المعنى: حين تقوم في الصلاة بعد تكبيرة الإحرام فقل: "سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك..." الحديث .

وقرأ سالم بن أبي الجعد ، ويعقوب: "وأدبار النجوم" بفتح الهمزة بمعنى: وأعقاب، ومنه قول الشاعر: [ ص: 103 ] :


فأصبحت من ليلى الغداة كناظر .. مع الصبح في أعقاب نجم مغرب



وقرأ جمهور الناس: "وإدبار النجوم" بكسر الهمزة.

كمل تفسير سورة [الطور] والحمد لله رب العالمين.

التالي السابق


الخدمات العلمية