الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (4) قوله تعالى: وفي الأرض قطع : العامة على رفع "قطع" و "جنات": إما على الابتداء، وإما على الفاعلية بالجار قبله. وقرئ: "قطعا متجاورات" بالنصب، وكذلك في بعض المصاحف، على إضمار "جعل".

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الحسن: "وجنات" بكسر التاء وفيها أوجه، أحدها: أنه جر عطفا على: كل الثمرات . الثاني: أنه نصب نسقا على: زوجين اثنين قاله الزمخشري . الثالث: نصبه نسقا على "رواسي". الرابع: نصبه بإضمار [ ص: 13 ] "جعل" وهو أولى لكثرة الفواصل في الأوجه قبله. قال أبو البقاء: "ولم يقرأ أحد منهم" وزرعا "بالنصب".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص بالرفع في الأربعة، والباقون بالخفض. فالرفع في " زرع ونخيل " للنسق على "قطع" وفي "صنوان" لكونه تابعا لـ "نخيل"، و "غير" لعطفه عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      وعاب الشيخ على ابن عطية قوله: عطفا على "قطع" قال: وليست عبارة محررة; لأن فيها ما ليس بعطف وهو "صنوان". قلت: ومثل هذا غير معيب لأنه عطف محقق، غاية ما فيه أن بعض ذلك تابع، فلا يقدح في هذه العبارة.

                                                                                                                                                                                                                                      والخفض مراعاة لـ "أعناب". وقال ابن عطية: عطفا على "أعناب"، وعابها الشيخ بما تقدم، وجوابه ما تقدم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد طعن قوم على هذه القراءة وقالوا: ليس الزرع من الجنات، روي ذلك عن أبي عمرو. وقد أجيب عن ذلك: بأن الجنة احتوت على النخيل والأعناب والزرع كقوله: جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا [ ص: 14 ] وقال أبو البقاء: "وقيل: المعنى: ونبات زرع، فعطفه على المعنى". قلت: ولا أدري ما هذا الجواب؟ لأن الذي يمنع أن تكون الجنة من الزرع يمنع أن تكون من نبات الزرع، وأي فرق؟

                                                                                                                                                                                                                                      والصنوان: جمع صنو كقنوان جمع قنو، وقد تقدم تحقيق هذه البنية في الأنعام. والصنو: الفرع، يجمعه وفرعا آخر أصل واحد، وأصله المثل، وفي الحديث: "عم الرجل صنو أبيه"، أي: مثله، أو لأنهما يجمعهما أصل واحد.

                                                                                                                                                                                                                                      والعامة على كسر الصاد. وقرأ السلمي وابن مصرف وزيد بن علي بضمها، وهي لغة قيس وتميم، كذئب وذؤبان. وقرأ الحسن وقتادة بفتحها، وهو اسم جمع لا جمع تكسير; لأنه ليس من أبنيته فعلان، ونظير "صنوان" بالفتح "السعدان". هذا جمعه في الكثرة، وأما في القلة فيجمع على "أصناء" كحمل وأحمال.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "يسقى" قرأه بالياء من تحت ابن عامر وعاصم، أي: يسقى [ ص: 15 ] ما ذكر، والباقون بالتاء من فوق مراعاة للفظ ما تقدم، وللتأنيث في قوله "بعضها".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "ونفضل" قرأه بالياء من تحت مبنيا للفاعل الأخوان، والباقون بنون العظمة. ويحيى بن يعمر وأبو حيوة "يفضل" بالياء مبنيا للمفعول، "بعضها" رفعا. قال أبو حاتم: "وجدته كذلك في مصحف يحيى بن يعمر" وهو أول من نقط المصاحف. وتقدم الخلاف في "الأكل" في البقرة.

                                                                                                                                                                                                                                      و في الأكل فيه وجهان، أظهرهما: أنه ظرف للتفضيل. والثاني: أنه حال من: "بعضها"، أي: نفضل بعضها مأكولا، أي: وفيه الأكل، قاله أبو البقاء، وفيه بعد من جهة المعنى والصناعة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية