الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: " وإذا أردنا أن نهلك قرية " في سبب إرادته لذلك قولان:

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: ما سبق لهم في قضائه من الشقاء . والثاني: عنادهم الأنبياء وتكذيبهم إياهم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: " أمرنا مترفيها " قرأ الأكثرون: ( أمرنا ) مخففة على وزن ( فعلنا )، وفيها ثلاثة أقوال: [ ص: 19 ]

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنه من الأمر، وفي الكلام إضمار، تقديره: أمرنا مترفيها بالطاعة ففسقوا، هذا مذهب سعيد بن جبير . قال الزجاج: ومثله في الكلام: أمرتك فعصيتني، فقد علم أن المعصية مخالفة الأمر .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: ( كثرنا ) يقال: أمرت الشيء وآمرته ; أي: كثرته، ومنه قولهم: مهرة مأمورة ; أي: كثيرة النتاج، يقال: أمر بنو فلان يأمرون أمرا: إذا كثروا، هذا قول أبي عبيدة وابن قتيبة .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أن معنى " أمرنا " : أمرنا، يقال: أمرت الرجل، بمعنى: أمرته، والمعنى: سلطنا مترفيها بالإمارة، ذكره ابن الأنباري . وروى خارجة عن نافع: ( آمرنا ) ممدودة، مثل: ( آمنا )، وكذلك روى حماد بن سلمة عن ابن كثير، وهي قراءة ابن عباس، وأبي الدرداء، وأبي رزين، والحسن، والضحاك، ويعقوب . قال ابن قتيبة: وهي اللغة العالية المشهورة، ومعناه: كثرنا أيضا . وروى ابن مجاهد أن أبا عمرو قرأ: ( أمرنا ) مشددة الميم، وهي رواية أبان عن عاصم، وهي قراءة أبي العالية، والنخعي، والجحدري . قال ابن قتيبة: المعنى: جعلناهم أمراء . وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وابن يعمر: ( أمرنا ) بفتح الهمزة مكسورة الميم مخففة . فأما المترفون فهم المتنعمون الذين قد أبطرتهم النعمة وسعة العيش، والمفسرون يقولون: هم الجبارون والمسلطون والملوك، وإنما خص المترفين بالذكر ; لأنهم الرؤساء، ومن عداهم تبع لهم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ففسقوا فيها ; أي: تمردوا في كفرهم ; لأن الفسق في الكفر: الخروج إلى أفحشه . وقد شرحنا معنى الفسق في ( البقرة: 26، 197 ) .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: " فحق عليها القول " قال مقاتل: وجب عليها العذاب . وقد ذكرنا معنى " التدمير " في ( الأعراف: 137 ) [ ص: 20 ]

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: " وكم أهلكنا من القرون " وهو جمع قرن . وقد ذكرنا اختلاف الناس فيه في ( الأنعام: 6 )، وشرحنا معنى " الخبير " و " البصير " في ( البقرة ) . قال مقاتل: وهذه الآية تخويف لأهل مكة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية