الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                النظر الثالث : في جواب الدعوى

                                                                                                                وفي الجواهر : هو إقرار أو إنكار ، فإن ( قال ) : لا أقر ولا أنكر ولكن تقيم [ ص: 9 ] البينة أولا وأحكامه إليك ، خير على أن يقرأ وينكر ، رواه أشهب لإظهار اللدد ، وقال أصبغ : يقول له القاضي : إما أن تحاكم وإلا أحلفت المدعي وحكمت له عليك . هذا إن كانت الدعوى مشبهة تستحق اليمين مع النكول ، لأن نكوله عن الكلام نكول عن اليمين ، وإلا فقال محمد : حكم عليه بغير يمين من المدعي لأنه كالإقرار ، وقال اللخمي : المدعي بالخيار بين أخذ المدعى بغير يمين على أنه متى عاد إلى الإنكار عاد ذلك له ، أو يحلف الآن ويحكم له به مالك لكمال الحجة بالحلف ، بعد أن يعلم أن المدعى عليه أنه لم يقر ولم ينكر حكم عليه كالناكل ، ولا ينقض له الحكم بعد أن يأتي بحجة ، إلا أن يأتي ببينة لم يكن علم بها ، وإما أن يسجن له حتى يقر أو ينكر ، لأنه يقول : هو يعرف حقي فإذا سجن أقر واستغنيت عن اليمين . وفي هذا النظر سبعة فروع :

                                                                                                                الأول : في الجواهر : إذا أقر بخمسين من ستين وامتنع في العدة من الإقرار والإنكار ، قال محمد : أجبر بالحبس حتى يقر أو ينكر إذا طلب ذلك المدعي ، فإن أصر على الامتناع حكم عليه بغير يمين ، قاله محمد ، وكذلك المدعى عليه بدار في يده ، فلا يقر ولا ينكر ، فإذا أجبر وتمادى حكم عليه بغير يمين .

                                                                                                                الثاني : وقال ما تقدم بيني وبينه مخالطة من أي وجه يدعي هذا ، لزم أن يسأل الطالب عن ذلك بسبب دعواه ، فإن ادعى نسيانه قبل ذلك منه بغير يمين لأن ذلك متوقع وألزم المطلوب أن يقر أو ينكر . وقال القاضي أبو الوليد : لا يوقف المطلوب حتى يحلف المطالب أنه لا يذكر ما يدعيه ، إذ لعله يذكر السبب فيجد مخرجا ، فإن امتنع من ذكر ذلك السبب من غير أن يدعي سببا لم يسأل المطلوب عن شيء .

                                                                                                                فرع : مرتب قال : لو ذكر السبب فقال المطلوب : أنا أحلف أنه لا شيء له عندي من هذا السبب ، قال أشهب : لا يجزيه حتى يقول : ولا أعلم له شيئا بوجه من الوجوه . قال القاضي أبو الوليد : الظاهر أنه يجزيه لأن الطالب لم يطلب بغير ذلك .

                                                                                                                [ ص: 10 ] الثالث : قال : إذا قال لي : عليك عشرة فقال : لا يلزمني العشرة لم تكف اليمين مطلقا حتى يقول : ولا شيء منها ، لأنه لا يلزم من نفي الكل نفي البعض .

                                                                                                                الرابع : قال : إذا ادعى سلفا أو بيعا لا يكفي أن يقال : لا حق له عندي ، بل لم يسلفني ما يدعيه أو لم يبع مني شيئا مما ذكر ، قاله مالك وسحنون . وكان مالك يقول : يجزئ ، ثم رجع . قال ابن يونس : قال مالك : لا بد من ذكر السبب لئلا يلغز . وقال عبد الملك : إن حلف أنه ما لك علي مما تدعيه قليل ولا كثير برئ . وقال ابن حبيب : إن كان المدعى عليه لا يتهم والمدعي يتهم بطلت البينة . واعلم أن المشهور فيه مصالح ومفاسد ، أما مصالحه فلأنه إذا قال : ما اشتريت منه أمكن المحق أن يقيم البينة على الشراء فيخلص حقه . وأما مفاسده فإنه قد يكون وفاه الثمن ونحوه فيعترف بالشراء فيلزمه الثمن مرة أخرى ، وهذا هو الموجب لعدم اشتراط ذكر السبب .

                                                                                                                الخامس : قال : إذا ادعى عليه مالك فقال : ليس لي بل وقف على الفقراء أو على ولدي أو مالك ، لم يمتنع ذلك من إقامة البينة من المدعي ما لم يثبت ما ذكر فتقف المخاصمة على حضور من تثبت له عليه الولاية . ولو قال : ليس لي بل لمن لا أسميه فأولى أن لا يمنع من تمام المحاكمة .

                                                                                                                ولو قال : لفلان وهو حاضر فللمدعي تحليف المقر له ، فإن نكل حلف المدعي وأخذ المدعى به ، وإن حلف المقر له فللمدعي به . وإن حلف المقر له فللمدعي أن يحلف المقر لأنه أتلفه عليه بإقراره ، فإن نكل حلف المدعي وأخذ قيمة المقر به من المقر . فإن أضاف إلى غائب وأثبت ذلك ببينة انصرفت الخصومة عنه إلى الغائب ، وإن لم يثبت ذلك لم يصدق وحلف ، فإن نكل رجع المدعى به إلى المدعي بغير يمين . فإن جاء المقر له فصدق المقر أخذه ، لأن من هو في يده يتهم أن يكون أراد صرف الخصومة عن نفسه .

                                                                                                                السادس : قال : جواز دعوى القصاص على العبد ليطلب من العبد الأرش ، يطلب جوابها من السيد .

                                                                                                                [ ص: 11 ] السابع : قال : إذا ادعى لم يحلف وقال : لي بينة قريبة فاطلبوا منه كفيلا ، أخذ منه كفيل بنفسه ما بينه وبين خمسة أيام إلى الجمعة . ولمالك : إذا قامت البينة له ، طلب الكفيل قبل التعديل لوجود سبب صدقه من حيث الجملة . ولو ادعى عليه خلطة ، وادعى عليه بينة قريبة على اللطخ ، كاليوم ونحوه ، وكل ما المطلوب ( كذا ) وقال سحنون : يؤخذ منه كفيل .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية