الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          149 - مسألة : وفرض على كل مستيقظ من نوم - قل النوم أو كثر ، نهارا كان أو ليلا ، قاعدا أو مضطجعا أو قائما . في صلاة أو في غير صلاة ، كيفما نام - ألا يدخل يده في وضوئه - في إناء كان وضوءه أو من نهر أو غير ذلك - حتى يغسلها ثلاث مرات ويستنشق ويستنثر ثلاث مرات . فإن لم يفعل لم يجزه الوضوء ولا تلك الصلاة . ناسيا ترك ذلك أو عامدا . وعليه أن يغسلها ثلاث مرات ويستنشق كذلك ثم يبتدي الوضوء والصلاة ، والماء طاهر بحسبه . فإن صب على يديه وتوضأ دون أن يغمس يديه فوضوءه غير تام وصلاته غير تامة .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 201 ] برهان ذلك ما حدثناه يونس بن عبد الله ثنا أبو عيسى بن أبي عيسى ثنا أحمد بن خالد ثنا ابن وضاح ثنا أبو بكر بن أبي شيبة عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : إذا استيقظ أحدكم من نوم فلا يغمس - يعني يده - حتى يغسلها ثلاثا ، فإنه لا يدري أين باتت يده } . قال أبو محمد : زعم قوم أن هذا الغسل خوف نجاسة تكون في اليد ، وهذا باطل لا شك فيه ، لأنه عليه السلام لو أراد ذلك لما عجز عن أن يبينه ، ولما كتمه عن أمته ، وأيضا فلو كان ذلك خوف نجاسة لكانت الرجل كاليد في ذلك ، ولكان باطن الفخذين وما بين الأليتين أولى بذلك .

                                                                                                                                                                                          ومن العجب على أصولهم أن يكون ظن كون النجاسة في اليد يوجب غسلها ثلاثا ، فإذا تيقن كون النجاسة فيها أجزأه إزالتها بغسلة واحدة ، وإنما السبب الذي من أجله وجب غسل اليد هو ما نص عليه السلام من مغيب النائم عن درايته أين باتت يده فقط ، ويجعل الله تعالى ما شاء سببا لما شاء ، كما جعل تعالى الريح الخارج من أسفل سببا يوجب الوضوء وغسل الوجه ومسح الرأس وغسل الذراعين والرجلين . وادعى قوم أن هذا في نوم الليل خاصة لقوله { أين باتت يده } وادعوا أن المبيت لا يكون إلا بالليل . قال أبو محمد : وهذا خطأ ، بل يقال : بات القوم يدبرون أمر كذا ، وإن كان نهارا . وحدثنا عبد الرحمن بن خالد الهمداني ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري عن إبراهيم بن حمزة هو الزبيري - عن ابن أبي حازم هو عبد العزيز - عن يزيد بن عبد الله هو ابن أسامة بن الهاد - عن محمد بن إبراهيم حدثه عن عيسى بن طلحة [ ص: 202 ] عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاث مرات فإن الشيطان يبيت على خيشومه } .

                                                                                                                                                                                          كتب إلي سالم بن أحمد بن فتح قال : ثنا عبد الله بن سعيد الشنتجالي قال : ثنا عمر بن محمد بن داود السجستاني ثنا محمد بن عيسى بن عمرويه الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد حدثنا مسلم بن الحجاج حدثني بشر بن الحكم ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن عيسى بن طلحة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاث مرات فإن الشيطان يبيت على خيشومه } .

                                                                                                                                                                                          حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أبو يحيى زكريا بن يحيى الساجي ثنا محمد بن زنبور المكي ثنا عبد العزيز بن أبي حازم ثنا يزيد بن الهاد أن محمد بن إبراهيم حدثه عن عيسى بن طلحة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنشق ثلاث مرات فإن الشيطان يبيت على خيشومه } . قال أبو محمد : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفرض . قال الله تعالى : { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } ومن توضأ بغير أن يفعل ما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعله فلم يتوضأ الوضوء الذي أمره الله تعالى به ، ومن لم يتوضأ كذلك فلا صلاة له ، لا سيما طرد الشيطان عن خيشوم المرء ، فما نعلم مسلما يستسهل الأنس بكون الشيطان هناك .

                                                                                                                                                                                          وقد أوجب المالكيون متابعة الوضوء فرضا لا يتم الوضوء والصلاة إلا به ، وأوجب الشافعي الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضا لا تتم الصلاة إلا به ، وأوجب أبو حنيفة الاستنشاق والمضمضة في غسل الجنابة فرضا لا يتم الغسل والصلاة إلا به . وكل هذا لم يأمر الله تعالى به ولا رسوله صلى الله عليه وسلم . فهذا الذي يجب أن ينكر لا فعل من أوجب ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولم يقل فيما قال له نبيه عليه السلام : افعل كذا ، فقال [ ص: 203 ] هو : لا أفعل إلا أن أشاء ، ودعوى الإجماع بغير يقين كذب على الأمة كلها . نعوذ بالله من ذلك .

                                                                                                                                                                                          حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : أحق علي أن أستنشق ؟ قال نعم ، قلت كم ؟ قال ثلاثا ، قلت عمن ؟ قال عن عثمان .

                                                                                                                                                                                          قال عبد الرزاق : ثنا معمر عن قتادة عن معبد الجهني قال في المضمضة والاستنشاق : إن كان جنبا فثلاثا ، وإن كان جاء من الغائط فاثنتين ، وإن كان جاء من البول فواحدة . وروي عن الحسن إعادة الوضوء والصلاة على من لم يغسل يده ثلاثا قبل أن يدخلها في الوضوء ، وبه يقول داود وأصحابنا .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية