الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (12) قوله تعالى: خوفا وطمعا : يجوز أن يكونا مصدرين ناصبهما محذوف، أي: يخافون خوفا ويطمعون طمعا. ويجوز أن يكونا مصدرين في موضع نصب على الحال، وفي صاحب الحال حينئذ وجهان، أحدهما: أنه مفعول "يريكم" الأول، أي: خائفين طامعين، أي: تخافون صواعقه، وتطمعون في مطره، كما قال المتنبي:


                                                                                                                                                                                                                                      2846 - فتى كالسحاب الجون يخشى ويرتجى يرجى الحيا منها وتخشى الصواعق

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 31 ] والثاني: أنه البرق، أي: يريكموه حال كونه ذا خوف وطمع، أو هو في نفسه خوف وطمع على المبالغة، والمعنى كما تقدم. ويجوز أن يكون مفعولا من أجله، ذكره أبو البقاء، ومنعه الزمخشري بعدم اتحاد الفاعل، يعني أن فاعل الإرادة وهو الله تعالى غير فاعل الخوف والطمع وهو ضمير المخاطبين، فاختلف فاعل الفعل المعلل وفاعل العلة. وهذا يمكن أن يجاب عنه: بأن المفعول في قوة الفاعل، فإن معنى "يريكم" يجعلكم رائين، فتخافون وتطمعون، ومثله في المعنى قول النابغة الذبياني:


                                                                                                                                                                                                                                      2847 - وحلت بيوتي في يفاع ممنع     تخال به راعي الحمولة طائرا


                                                                                                                                                                                                                                      حذارا على أن لا تنال مقادتي     ولا نسوتي حتى يمتن حرائرا

                                                                                                                                                                                                                                      ف "حذارا" مفعول من أجله، وفاعله هو المتكلم، والفعل المعلل الذي هو "حلت" فاعله "بيوتي"، فقد اختلف الفاعل. قالوا: لكن لما كان التقدير: وأحللت بيوتي حذارا صح ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد جوز الزمخشري : ذلك أيضا على حذف مضاف فقال: "إلا على تقدير حذف المضاف، أي: إرادة خوف وطمع". وجوزه أيضا على أن بعض المصادر ناب عن بعض، يعني: أن الأصل: يريكم البرق إخافة وإطماعا; فإن المرئي والمخيف والمطمع هو الله تعالى، وناب "خوف" عن [ ص: 32 ] إخافة، و "طمع" عن إطماع نحو: أنبتكم من الأرض نباتا ، على أنه قد ذهب جماعة منهم ابن خروف إلى أن اتحاد الفاعل ليس بشرط.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية