الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (13) قوله تعالى: وهم يجادلون : يجوز أن تكون الجملة مستأنفة أخبر عنهم بذلك، ويجوز أن تكون حالا. وظاهر كلام الزمخشري أنها حال من مفعول "يصيب"، فإنه قال: وقيل: الواو للحال، [أي: فيصيب بها من يشاء في حال جدالهم]، وجعلها غيره حالا من مفعول "يشاء".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وهو شديد المحال [هذه الجملة حال من الجلالة] الكريمة، ويضعف استئنافها. وقرأ العامة بكسر الميم، وهو القوة والإهلاك، قال عبد المطلب:


                                                                                                                                                                                                                                      2848 - لا يغلبن صليبهم ومحالهم عدوا محالك

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الأعشى:


                                                                                                                                                                                                                                      2849 - فرع نبع يهتز في غصن المج     د عظيم الندى شديد المحال

                                                                                                                                                                                                                                      والمحال أيضا: أشد المكايدة والمماكرة، يقال: ماحله مماحلة، ومنه: [ ص: 33 ] تمحل فلان لكذا، أي: تكلف له استعمال الحيلة. وقال أبو زيد: "هو النقمة". وقال ابن عرفة: "هو الجدال"، [وفيه على هذا] مقابلة معنوية كأنه قيل: وهم يجادلون في الله وهو شديد الجدال.

                                                                                                                                                                                                                                      [واختلفوا في ميمه]: فالجمهور على أنها أصلية من المحل وهو المكر والكيد، ووزنه فعال كمهاد. وقال القتبي: إنه من الحيلة، وميمه مزيدة، كمكان من الكون، ثم يقال: تمكنت. وقد غلطه الأزهري وقال: لو كان مفعلا من الحيلة لظهرت مثل: مزود ومحول ومحور.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الأعرج والضحاك بفتحها، والظاهر أنه لغة في المكسورها، وهو مذهب ابن عباس، فإنه فسره بالحول وفسره غيره بالحيلة. وقال الزمخشري : "وقرأ الأعرج بفتح الميم على أنه مفعل من حال يحول محالا، إذا احتال، ومنه "أحول من ذئب"، أي: أشد حيلة، ويجوز أن يكون المعنى: شديد الفقار، ويكون مثلا في القوة والقدرة، كما جاء: "فساعد الله أشد، وموساه أحد"، لأن الحيوان إذا اشتد محاله كان منعوتا بشدة القوة والاضطلاع بما يعجز عنه غيره، ألا ترى إلى قولهم: "فقرته الفاقرة" وذلك أن الفقار عمود الظهر وقوامه".

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية