الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون

                                                                                                                                                                                                                                      قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون [ ص: 218 ] من دونه أي: من إشراككم من دون الله، أي: من غير أن ينزل به سلطانا، كما قال في سورة الأعراف: أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان أو مما تشركونه من آلهة غير الله أجاب به عن مقالتهم الحمقاء المبنية على اعتقاد كون آلهتهم مما يضر أو ينفع وأنها بمعزل من ذلك، ولما كان ما وقع أولا عنه - عليه الصلاة والسلام - في حق آلهتهم من كونها بمعزل عن الألوهية إنما وقع في ضمن الأمر بعبادة الله تعالى واختصاصه بها، وقد شق عليهم ذلك وعدوه مما يورث شيئا، حتى زعموا أنها تصيبه - عليه الصلاة والسلام – بسوء؛ مجازاة لصنيعه معها، صرح - عليه الصلاة والسلام - بالحق وصدع به، حيث أخبر ببراءته القديمة عنها بالجملة الاسمية المصدرة بـ"إن"، وأشهد الله على ذلك، وأمرهم بأن يسمعوا ذلك ويشهدوا به استهانة بهم، ثم أمرهم بالاجتماع والاحتشاد مع آلهتهم جميعا دون بعض منها، حسبما يشعر به قولهم: "بعض آلهتنا" والتعاون في إيصال الكيد إليه - عليه الصلاة والسلام - ونهاهم عن الإنظار والإمهال في ذلك فقال: فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون أي: إن صح ما لوحتم به من كون آلهتكم مما يقدر على إضرار من ينال منها، ويصد عن عبادتها - ولو بطريق ضمني - فإني بريء منها، فكونوا أنتم معها جميعا وباشروا كيدي، ثم لا تمهلوني ولا تسامحوني في ذلك، فالفاء لتفريع الأمر على زعمهم في قدرة آلهتهم على ما قالوا وعلى البراءة كليهما، وهذا من أعظم المعجزات، فإنه - عليه الصلاة والسلام - كان رجلا مفردا بين الجم الغفير والجمع الكثير من عتاة عاد الغلاظ الشداد، وقد خاطبهم بما خاطبهم وحقرهم وآلهتهم وهيجهم على مباشرة مبادئ المضادة والمضارة، وحثهم على التصدي لأسباب المعازة والمعارة، فلم يقدروا على مباشرة شيء مما كلفوه، وظهر عجزهم عن ذلك ظهورا بينا، كيف لا وقد التجأ إلى ركن منيع رفيع واعتصم بحبل متين؟ حيث قال:

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية