الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 1723 ] والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                        وهذا من تمام نعيم أهل الجنة، أن ألحق الله بهم ذريتهم الذين اتبعوهم بإيمان أي: الذين لحقوهم بالإيمان الصادر من آبائهم، فصارت الذرية تبعا لهم بالإيمان، ومن باب أولى إذا تبعتهم ذريتهم بإيمانهم الصادر منهم أنفسهم، فهؤلاء المذكورون، يلحقهم الله بمنازل آبائهم في الجنة وإن لم يبلغوها، جزاء لآبائهم، وزيادة في ثوابهم، ومع ذلك، لا ينقص الله الآباء من أعمالهم شيئا، ولما كان ربما توهم متوهم أن أهل النار كذلك، يلحق الله بهم ذريتهم، أخبر أنه ليس حكم الدارين حكما واحدا، فإن النار دار العدل، ومن عدله تعالى أن لا يعذب أحدا إلا بذنب، ولهذا قال: كل امرئ بما كسب رهين أي: مرتهن بعمله، فلا تزر وازرة وزر أخرى، ولا يحمل على أحد ذنب أحد، فهذا اعتراض من فوائده إزالة الوهم المذكور.

                                                                                                                                                                                                                                        وقوله: وأمددناهم أي: أمددنا أهل الجنة من فضلنا الواسع ورزقنا العميم، بفاكهة من العنب والرمان والتفاح، وأصناف الفواكه اللذيذة الزائدة على ما به يتقوتون، ولحم مما يشتهون من كل ما طلبوه واشتهته أنفسهم، من لحوم الطير وغيرها.

                                                                                                                                                                                                                                        يتنازعون فيها كأسا أي: تدور كاسات الرحيق والخمر عليهم، ويتعاطونها فيما بينهم، وتطوف عليهم الولدان المخلدون بأكواب وأباريق وكأس لا لغو فيها ولا تأثيم أي: ليس في الجنة كلام لغو، وهو الذي لا فائدة فيه ولا تأثيم، وهو الذي فيه إثم ومعصية، وإذا انتفى الأمران، ثبت الأمر الثالث، وهو أن كلامهم فيها سلام طيب طاهر، مسر للنفوس، مفرح للقلوب، يتعاشرون أحسن [ ص: 1724 ] عشرة، ويتنادمون أطيب المنادمة، ولا يسمعون من ربهم، إلا ما يقر أعينهم، ويدل على رضاه عنهم ومحبته لهم .

                                                                                                                                                                                                                                        ويطوف عليهم غلمان لهم أي: خدم شباب كأنهم لؤلؤ مكنون من حسنهم وبهائهم، يدورون عليهم بالخدمة وقضاء أشغالهم وهذا يدل على كثرة نعيمهم وسعته، وكمال راحتهم.

                                                                                                                                                                                                                                        وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون عن أمور الدنيا وأحوالها. قالوا في ذكر بيان الذي أوصلهم إلى ما هم فيه من الحبرة والسرور: إنا كنا قبل أي: في دار الدنيا في أهلنا مشفقين أي: خائفين وجلين، فتركنا من خوفه الذنوب، وأصلحنا لذلك العيوب.

                                                                                                                                                                                                                                        فمن الله علينا بالهداية والتوفيق، ووقانا عذاب السموم أي: العذاب الحار الشديد حره.

                                                                                                                                                                                                                                        إنا كنا من قبل ندعوه أن يقينا عذاب السموم، ويوصلنا إلى النعيم، وهذا شامل لدعاء العبادة ودعاء المسألة أي: لم نزل نتقرب إليه بأنواع العبادات وندعوه في سائر الأوقات، إنه هو البر الرحيم فمن بره بنا ورحمته إيانا، أنالنا رضاه والجنة، ووقانا سخطه والنار.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية