الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن حمل حيوانا طاهرا في صلاته صحت صلاته ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم حمل أمامة بنت أبي العاص في صلاته ; ولأن ما في الحيوان من النجاسة في معدن النجاسة فهو كالنجاسة التي في جوف المصلي ، وإن حمل قارورة فيها نجاسة وقد سد رأسها ففيها وجهان ، أحدهما : يجوز ; لأن النجاسة لا تخرج منها فهو كما لو حمل حيوانا طاهرا ، والمذهب : أنه لا يجوز ; لأنه حمل نجاسة غير معفو عنها في غير معدنها فأشبه إذا حمل النجاسة في كمه ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث أمامة رواه البخاري ومسلم وهي أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم واسم أبي العاص مهشم بكسر الميم وإسكان الهاء وفتح الشين المعجمة ، وقيل : لقيط ، وقيل ياسر ، وقيل : القاسم بن الربيع بن عبد العزى بن عبد مناف القرشية كان النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 157 ] يحبها تزوجها علي بن أبي طالب بعد وفاة فاطمة ، وكانت فاطمة أوصته بذلك رضي الله عنهم .

                                      ( أما حكم المسألة ) فإذا حمل حيوانا طاهرا لا نجاسة على ظاهره في صلاته صحت صلاته ، بلا خلاف ، وإن حمل حيوانا مذبوحا بعد غسل موضع الدم وما على ظاهره من النجاسة لم تصح صلاته بلا خلاف ، وفيه وجه في البحر صرح به الأصحاب منهم القاضي أبو الطيب ; لأن في باطنه نجاسة لا حاجة إلى استصحابها بخلاف الحي ، ولو تنجس منفذ الحيوان الحي كطائر ونحوه فحمله ففي صحة صلاته وجهان ( أصحهما ) عند الغزالي الصحة ، ويعفى عنه كالباقي على محل نجو المصلي ( وأصحهما ) عند إمام الحرمين لا يصح ، وبه قطع المتولي وهو الأصح لعدم الحاجة إلى احتمالها ، ولو وقع هذا الحيوان في ماء قليل أو مائع لم ينجسه في أصح الوجهين وقد سبقت هذه المسألة في باب المياه .

                                      ولو حمل بيضة صار باطنها دما وظاهرها طاهرا أو حمل عنقودا صار باطن حباته خمرا ولا رشح على ظاهره لم تصح صلاته في أصح الوجهين ، ويجري الوجهان في كل استتار خلقي .



                                      أما إذا حمل قارورة مصممة الرأس برصاص أو نحوه وفيها نجاسة فلا تصح صلاته على الصحيح وفيه وجه مشهور ، ودليلهما مذكور في الكتاب ، والقائل بالصحة أبو علي بن أبي هريرة ذكره صاحب الحاوي والقاضي أبو الطيب وإمام الحرمين والغزالي وغيرهم .

                                      وإن كان رأسها مسدودا بخرقة لم تصح صلاته بلا خلاف ، وإن كان بشمع فطريقان . أحدهما : كالخرقة . والثاني : كالرصاص ، هذا ما ذكره الأصحاب ، واتفقوا على أن المسدودة بخرقة لا تصح الصلاة معها ، وقد أطلق المصنف المسألة فليحمل كلامه على المصممة برصاص وكذا قال صاحب البيان : ينبغي أن يحمل على الرصاص ليوافق الأصحاب .



                                      . ( فرع ) لو حمل المصلي مستجمرا بالأحجار لم تصح صلاته في أصح الوجهين ; لأنه غير محتاج إليه ، وحديث أمامة رضي الله عنها محمول [ ص: 158 ] على أنها كانت قد نجيت بالماء ، ولو حمل من عليه نجاسة معفو عنها ففيه الوجهان لما ذكرناه ، ويقرب منه من استنجى بالأحجار وعرق موضع النجو فتلوث به غيره ففي صحة صلاته وجهان ، ولكن الأصح هنا الصحة لعسر الاحتراز منه ، بخلاف حمل غيره . والله أعلم . .




                                      الخدمات العلمية