الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : بل قالوا مثل ما قال الأولون قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون ، لفظة بل هنا للإضراب الانتقالي .

                                                                                                                                                                                                                                      والمعنى : أن الكفار الذين كذبوا نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، قالوا مثل ما قالت الأمم قبلهم ، من إنكار البعث ; لأن الاستفهام في قوله : أئنا لمبعوثون إنكار منهم للبعث ، والآيات الدالة على إنكارهم للبعث كثيرة ; كقوله تعالى عنهم : من يحيي العظام وهي رميم [ 36 \ 78 ] وكقوله عنهم : وما نحن بمبعوثين [ 6 \ 29 ] [ ص: 348 ] وما نحن بمنشرين [ 44 \ 35 ] وقوله عنهم : أئذا كنا عظاما نخرة قالوا تلك إذا كرة خاسرة [ 79 \ 11 - 12 ] ، والآيات بمثل هذا في إنكارهم البعث كثيرة : وقد بينا في سورة البقرة ، في الكلام على قوله تعالى : ياأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم الآية [ 2 \ 21 ] ، وفي أول سورة النحل ، وغيرهما الآيات الدالة على البعث بعد الموت ، وأوردنا منها كثيرا كقوله : قل يحييها الذي أنشأها أول مرة الآية [ 36 \ 79 ] ، وقوله : وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه [ 30 \ 27 ] وقوله تعالى : ياأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب الآيات [ 22 \ 5 ] ، وأوضحنا أربعة براهين قرآنية دالة على البعث بعد الموت ، وأكثرنا من ذكر الآيات الدالة على ذلك ، فأغنى ذلك عن التطويل هنا ، وقوله تعالى في هذه الآية أئذا متنا قرأ نافع والكسائي ، بالاستفهام في : أئذا متنا ، وحذف همزة الاستفهام ، في أئنا لمبعوثون ، بل قرأ إنا لمبعوثون بصيغة الخبر لدلالة الاستفهام الأول ، على الاستفهام الثاني المحذوف وقرأه ابن عامر بالعكس ، فحذف همزة الاستفهام ، من أئذا ، وقرأ إذا بدون استفهام ، وأثبت همزة الاستفهام في قوله : أئنا لمبعوثون وقد دل الاستفهام الثاني المثبت في قراءة ابن عامر ، على الاستفهام الأول المحذوف فيها ، وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وحمزة بالاستفهام فيهما معا : أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون وهم على أصولهم في الهمزتين ، فنافع وابن كثير وأبو عمرو يسهلون الثانية ، والباقون يحققونها ، وأدخل قالون ، وأبو عمرو وهشام عن ابن عامر ألفا بين الهمزتين ، وقرأ الباقون بالقصر دون الألف ، وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص ، عن عاصم : متنا بكسر الميم ، والباقون : بضم الميم ، وقد قدمنا في سورة مريم في الكلام على قوله تعالى : قالت ياليتني مت قبل هذا الآية [ 19 \ 23 ] وجه كسر الميم في إسناد الفعل الذي هو مات إلى تاء الفاعل ، وبينا أنه يخفى على كثير من طلبة العلم ، وأوضحنا وجهة غاية مع بعض الشواهد العربية ، فأغنى ذلك عن إعادته هنا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية