الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 86 ] 4 - باب

                                الأكل يوم الفطر قبل الخروج

                                910 953 - حدثنا محمد بن عبد الرحيم: نا سعيد بن سليمان، أنا هشيم: أنا عبيد الله بن أبي بكر، عن أنس بن مالك، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات.

                                وقال مرجأ بن رجاء: حدثني عبيد الله بن أبي بكر: حدثني أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ويأكلهن وترا.

                                التالي السابق


                                هذا الحديث مما تفرد به البخاري ، ولم يخرجه مسلم .

                                وإنما ذكر متابعة مرجى بن رجاء لثلاثة فوائد:

                                أحدها:

                                أنه حديث أنكره الإمام أحمد من حديث هشيم ، وقال: إنما كان هشيم يحدث به عن محمد بن إسحاق ، عن حفص بن عبيد الله ، عن أنس . قال: وإنما ثناه علي بن عاصم ، عن عبيد الله بن أبي بكر .

                                كذا نقله عن أحمد ابنه عبد الله .

                                وقد رواه قتيبة ، عن هشيم ، عن ابن إسحاق ، عن حفص ، كما قاله الإمام أحمد

                                [ ص: 87 ] ومن هذه الطريق خرجه الترمذي ، وصححه.

                                وقد رواه كذلك عن هشيم بهذا الإسناد الإمام أحمد ، ويحيى، وابن أبي شيبة وغيرهم.

                                قال البيهقي : ورواه سعيد بن سليمان ، عن هشيم بالإسنادين معا.

                                وهذا يدل على أنهما محفوظان عن هشيم ، فبين البخاري أنه قد توبع عليه هشيم .

                                وقد خرجه الإمام أحمد من حديث مرجى " ويأكلهن أفرادا".

                                وخرجه ابن خزيمة في " صحيحه" والدارقطني من حديثه، وعندهما: " ويأكلهن وترا ".

                                ومرجى بن رجاء ، مختلف في أمره. وثقه أبو زرعة ، وضعفه غيره.

                                وتابعه - أيضا-: علي بن عاصم ، فرواه عن عبيد الله بن أبي بكر : سمعت أنسا يقول: " ما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوم فطر قط حتى يأكل تمرات".

                                خرجه الإمام أحمد ، عنه.

                                وخرجه ابن شاهين في " كتاب العيدين "، وزاد: " ثلاثا، وكان أنس يأكل ثلاث تمرات أو خمسا، وإن شاء زاد، إلا أنه يجعلهن وترا ".

                                ورواه - أيضا - عتبة بن حميد : نا عبيد الله بن أبي بكر بن أنس : سمعت [ ص: 88 ] أنسا قال: ما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوم فطر حتى يأكل ثمرات، ثلاثا أو خمسا أو سبعا، أو أقل من ذلك أو أكثر، وترا.

                                خرجه الطبراني .

                                وخرجه ابن حبان في " صحيحه" إلى قوله: " سبعا".

                                ورواه - أيضا- أبو جزي نصر بن طريف ، عن عبيد الله بن أبي بكر ، عن أنس .

                                فقد رواه جماعة، عن عبيد الله ، عن أنس - كما ترى - وإنما استنكره أحمد من حديث هشيم .

                                الفائدة الثانية:

                                أن في رواية مرجى زيادة الوتر.

                                والثالثة:

                                أن فيها التصريح بسماع عبيد الله له من أنس .

                                وقد ذكرنا أنه توبع على هاتين الزيادتين.

                                وفي الباب أحاديث أخر، ليست على شرط البخاري .

                                وقد استحب أكثر العلماء الأكل يوم الفطر قبل الخروج إلى المصلى، ومنهم علي وابن عباس .

                                وروي عنهما أنهما قالا: هو السنة.

                                وكان ابن عمر يفعله.

                                وعن أم الدرداء ، أنها قالت: خالفوا أهل الكتاب، فإنهم لا يفطرون في أعيادهم حتى يرجعوا.

                                [ ص: 89 ] وعن ابن المسيب ، قال: كان الناس يؤمرون بذلك.

                                وعن الشعبي ، قال: هو السنة.

                                وعن عكرمة ، قال: كان الناس يفعلونه.

                                وهو قول أبي حنيفة والثوري ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم.

                                وروي عن النخعي ، قال: إن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل.

                                وروي عنه، أنه قال: كانوا لا يبالون بذلك.

                                وعن ابن مسعود : إن شاء لم يأكل.

                                ولعله أراد به بيان أن الأكل قبل الخروج ليس بواجب، وهذا حق، وإن أراد أنه ليس هو الأفضل فالجمهور على خلافه، والسنة تدل عليه.

                                ونص الشافعي على أن تركه مكروه.

                                وقد علل الأكل يوم الفطر قبل الخروج بالمبادرة إلى الفطر في يوم العيد، ليظهر مخالفته لرمضان حيث كان تحريم الأكل في نهاره.

                                وقد تقدم، عن أبي الدرداء : تعليله بمخالفة أهل الكتاب.

                                وقد علل بأن السنة تأخير الصلاة يوم الفطر، فيكون الأكل قبل الخروج أسكن للنفس، بخلاف صلاة النحر; فإن السنة تعجيلها.

                                وقد روى الإمام أحمد : ثنا عبد الرزاق ، عن ابن جريج : أخبرني عطاء ، أنه سمع ابن عباس يقول: إن استطعتم أن لا يغدو أحدكم يوم الفطر حتى [ ص: 90 ] يطعم فليفعل. قال: فلم أدع أن آكل قبل أن أغدو منذ سمعت ذلك من ابن عباس . قلت: فعلى ماذا تأول هذا؟ قال: أظن سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم. قال: كانوا لا يخرجون حتى يمتد الضحى، فيقولون: نطعم حتى لا نعجل عن صلاتنا.

                                وذكر بعضهم معنى آخر، وهو أن يوم الفطر قبل الصلاة تشرع الصدقة على المساكين بما يأكلونه خصوصا التمر، فشرع له أن يأكل معهم ويشاركهم، وفي النحر لا تكون الصدقة على المساكين إلا بعد الرجوع من الصلاة، فيؤخر الأكل إلى حال الصدقة عليهم، ليشاركهم - أيضا.

                                ويشهد له: ما خرجه ابن ماجه ، عن ابن عمر ، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لا يغدو يوم الفطر حتى يغدي أصحابه من صدقة الفطر .

                                وإسناده ضعيف جدا.

                                وقد قيل: إن صوابه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الإمام. قاله العقيلي .



                                الخدمات العلمية