الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 23 ] 152 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قوله : لا تدع مضر عبدا لله إلا فتنوه أو قتلوه

989 - حدثنا أبو أمية ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا عبد الله بن نمير ، عن الأعمش ، عن عبد الرحمن بن ثروان ، عن عمرو بن حنظلة قال : قال حذيفة : لا تدع مضر عبدا لله مؤمنا إلا فتنوه أو قتلوه ، أو يضربهم الله عز وجل والملائكة والمؤمنون حتى لا يمنعوا ذنب تلعة .

فقال له رجل : يا أبا عبد الله ، تقول هذا وأنت رجل من مضر ؟ فقال : ألا أقول ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم . ؟


[ ص: 24 ]

990 - حدثنا محمد بن علي بن داود ، حدثنا إبراهيم بن زياد سبلان ، حدثنا عباد بن عباد المهلبي ، حدثنا مجالد ، عن أبي الوداك ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لتضربن مضر عباد الله حتى لا يعبد الله عز وجل ، أو ليضربنهم المؤمنون حتى لا يمنعوا ذنب تلعة .

[ ص: 25 ] قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث ذكر مضر بما ذكرت به فيه ، والمراد منها بذلك - والله أعلم - المذموم منهم دون من سواهم ممن لا يفعل كفعلهم ذلك الذي ذكر عنهم في هذا الحديث .

وقد روي هذا الحديث من وجه آخر بالقصد بما ذكر فيه إلى الظلمة من مضر دون من سواهم من مضر .

991 - كما حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا أبي قال : سمعت الأعمش يحدث ، عن عبد الرحمن بن ثروان ، عن هزيل بن شرحبيل قال : أتينا حذيفة حين قتل عثمان رضي الله عنه ، فغلبنا على حجرته وبيته من ربيعة ومضر ويمن . فقال : لا تبرح ظلمة مضر بكل عبد مؤمن تفتنه وتقتله أو يضربهم الله عز وجل والمؤمنون حتى لا يمنعوا ذنب تلعة . فقال له رجل : أتقول هذا وأنت من مضر ؟ فالتفت إليه فقال : ألا أقول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

قال أبو جعفر : فسأل سائل عن وجه عموم مضر مما عمت به فيما رويناه من هذه الآثار .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه أن ذلك الكلام ، وإن كان مطلقا في مضر - لم يرد منها إلا من كان منه السبب الذي من أجله قيل ذلك القول دون من سواه منها .

والعرب تفعل ذلك في الأشياء الواسعة ، تقصد ذكر ما كان من بعض أهلها إلى جملة أهلها . [ ص: 26 ] وإنما تريد من كان منه ذلك الشيء من أهلها دون من سواه ممن لم يكن منه الشيء ، ومنه قول الله عز وجل لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : وكذب به قومك وهو الحق لم يرد بذلك إلا من كذب به من قومه دون من سواه منهم .

ومن ذلك ما كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قنوته في صلاة الفجر : واشدد اللهم وطأتك على مضر ، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف - صلى الله عليه وسلم - !

وقد ذكرنا ذلك بأسانيد فيما تقدم من كتابنا هذا ، ولم يرد بذلك كل مضر . وكيف يكون يريد بذلك كل مضر وهو - صلى الله عليه وسلم - من مضر ؟ ومن خلفه في صلاته تلك خيارهم من مضر ؟ وإنما أراد بذلك من مضر من هو على خلاف ما هو عليه وعلى خلاف من هو في صلاته تلك منهم عليه .

فمثل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : لا تدع مضر عبدا لله مؤمنا إلا فتنوه ، هو على هذا المعنى والمراد به منها من يفعل ذلك الفعل منها لا من سواه منها ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية