الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

                                                                                                                                                                                                "النون " : الحوت ، فأضيف إليه ، برم بقومه ؛ لطول ما ذكرهم فلم يذكروا وأقاموا على كفرهم ، فراغمهم وظن أن ذلك يسوغ ؛ حيث لم يفعله إلا غضبا لله وأنفة لدينه وبغضا للكفر وأهله ، وكان عليه أن يصابر وينتظر الإذن من الله في المهاجرة عنهم ، فابتلي ببطن الحوت ، ومعنى مغاضبته لقومه : أنه أغضبهم بمفارقته ، لخوفهم حلول العقاب عليهم عندها ، وقرأ أبو شرف : "مغضبا " ، قرئ : "نقدر " : و "نقدر " : مخففا ومثقلا ، "ويقدر " : بالياء بالتخفيف ، و"يقدر " ، و"يقدر " : على البناء للمفعول مخففا ومثقلا ، وفسرت بالتضييق عليه ، وبتقدير الله عليه عقوبة ، وعن ابن عباس : أنه دخل على معاوية فقال : لقد ضربتني أمواج القرآن البارحة فغرقت فيها ، فلم أجد لنفسي خلاصا إلا بك ، قال : وما هي يا معاوية ، فقرأ هذه الآية ، وقال : أويظن نبي الله ألا يقدر عليه ؟ قال : هذا من القدر لا من القدرة ، والمخفف يصح أن يفسر بالقدرة ، على معنى : أن لن نعمل فيه قدرتنا ، وأن يكون من باب التمثيل ، بمعنى : فكانت حاله ممثلة بحال من ظن أن لن نقدر عليه في مراغمته قومه ، من غير انتظار لأمر الله . ويجوز أن يسبق ذلك إلى وهمه بوسوسة الشيطان ، ثم يردعه ويرده بالبرهان ، كما يفعل المؤمن المحقق بنزغات الشيطان وما يوسوس إليه في كل وقت ؛ ومنه قوله تعالى : وتظنون بالله الظنونا [الأحزاب : 10 ] ، والخطاب للمؤمنين " في الظلمات " [البقرة :275 ] أي : في الظلمة الشديدة المتكاثفة في بطن الحوت ؛ كقوله : ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات [البقرة : 17 ] ، وقوله : يخرجونهم من النور إلى الظلمات [ ص: 162 ] [البقرة : 257 ] وقيل : ظلمات بطن الحوت والبحر والليل ، وقيل : ابتلع حوته حوت أكبر منه ، فحصل في ظلمتي بطني الحوتين وظلمة البحر ، أي : بأنه لا إله إلا أنت ، أو بمعنى "أي " ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم - : "ما من مكروب يدعو بهذا الدعاء إلا استجيب له " ، وعن الحسن : ما نجاه والله إلا إقراره على نفسه بالظلم .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية