الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              [ ص: 117 ] سورة النحل وتسمى سورة النعم فيها إحدى وعشرون آية

                                                                                                                                                                                                              الآية الأولى قوله تعالى : { والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون } .

                                                                                                                                                                                                              فيها خمس مسائل :

                                                                                                                                                                                                              المسألة الأولى : قوله : " الأنعام " : وقد تقدم بيانه في سورة المائدة ، فأغنى عن إعادته .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثانية : قوله : { لكم فيها دفء } : يعني من البرد بما فيها من الأصواف والأوبار والأشعار ، كما قال تعالى : { وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم } فامتن ههنا بالدفء ، وامتن هناك بالظل ، إن كان لاصقا بالبدن ثوبا أو كان منفصلا بناء .

                                                                                                                                                                                                              وقد روي عن ابن عباس أنه قال : دفؤها نسلها ; فربك أعلم بها .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثالثة : قوله : " منافع " : يعني ما وراء ذلك من الألبان خاصة ; لأنه قد ذكر بعد ذلك سواها من المنافع ، فقال : ومنها تأكلون .

                                                                                                                                                                                                              وقد ذكر وجه اختصاصه باللبن ، ويأتي ذلك إن شاء الله .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الرابعة : في هذا دليل على لباس الصوف ، فهو أولى ذلك وأولاه ، فإنه شعار المتقين [ ص: 118 ] ولباس الصالحين ، وشارة الصحابة والتابعين ، واختيار الزهاد والعارفين ، وهو يلبس لينا وخشنا ، وجيدا ومقاربا ورديئا ، وإليه نسب جماعة من الناس الصوفي ; لأنه لباسهم في الغالب ، فالياء للنسب والهاء للتأنيث ، وقد أنشدني بعض أشياخهم بالبيت المقدس :

                                                                                                                                                                                                              تشاجر الناس في الصوفي واختلفوا فيه وظنوه مشتقا من الصوف     ولست أنحل هذا الاسم غير فتى
                                                                                                                                                                                                              صافى فصوفي حتى سمي الصوفي

                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الخامسة : قوله : { ومنها تأكلون } : فأباح لنا أكلها كما تقدم بيانه بشروطه وأوصافه ، وكان وجه الامتنان بها أنسها ، كما امتن بالوحشية على وجه الاصطياد ، فالأول نعمة هنية ، والصيد متعة شهية ، ونصبة نصية ، وهو الأغلب فيها .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية