الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: " قل ادعوا الذين زعمتم من دونه " في سبب نزولها قولان:

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أن نفرا من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجن، فأسلم الجن والنفر من العرب لا يشعرون، فنزلت هذه الآية والتي بعدها، روي عن ابن مسعود .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أن المشركين كانوا يعبدون الملائكة، ويقولون: هي تشفع لنا عند الله، فلما ابتلوا بالقحط سبع سنين، قيل لهم: " ادعوا الذين زعمتم " ، قاله مقاتل، والمعنى: قل ادعوا الذين زعمتم أنهم آلهة، " فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا " له إلى غيركم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: " أولئك الذين يدعون " في المشار إليهم بـ " أولئك " ثلاثة أقوال:

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنهم الجن الذين أسلموا . والثاني: الملائكة، وقد سبق بيان [ ص: 50 ] القولين . والثالث: أنهم المسيح، وعزير، والملائكة، والشمس، والقمر، قاله ابن عباس . وفي معنى " يدعون " قولان:

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: يعبدون ; أي: يدعونهم آلهة، وهذا قول الأكثرين .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنه بمعنى يتضرعون إلى الله في طلب الوسيلة، وعلى هذا يكون قوله: " يدعون " راجعا إلى " أولئك " ، ويكون قوله: يبتغون تماما للكلام . وعلى القول الأول يكون " يدعون " راجعا إلى المشركين، ويكون قوله: " يبتغون " وصفا لـ " أولئك " مستأنفا . وقرأ ابن مسعود، وابن عباس، وأبو عبد الرحمن: ( تدعون ) بالتاء . قال ابن الأنباري: فعلى هذا الفعل مردود إلى قوله: " فلا يملكون كشف الضر عنكم " . ومن قرأ: ( يدعون ) بالياء، قال: العرب تنصرف من الخطاب إلى الغيبة إذا أمن اللبس . ومعنى " يدعون " : يدعونهم آلهة . وقد فسرنا معنى " الوسيلة " في ( المائدة: 35 ) .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي قوله: " أيهم أقرب " قولان، ذكرهما الزجاج:

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أن يكون " أيهم " مرفوعا بالابتداء، وخبره " أقرب " ، ويكون المعنى: يطلبون الوسيلة إلى ربهم، ينظرون أيهم أقرب إليه، فيتوسلون إلى الله به .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أن يكون " أيهم أقرب " بدلا من الواو في " يبتغون " ، فيكون المعنى: يبتغي أيهم هو أقرب الوسيلة إلى الله ; أي: يتقرب إليه بالعمل الصالح .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية