الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (29) قوله تعالى: الذين آمنوا وعملوا : فيه أوجه: أن يكون بدلا من "القلوب" على حذف مضاف، أي: قلوب الذين آمنوا، وأن يكون بدلا من "من أناب"، وهذا على قول من لم يجعل الموصول الأول بدلا من "من أناب"، وإلا كان يتوالى بدلان. وأن يكون مبتدأ، و "طوبى لهم" جملة خبرية، وأن يكون خبر مبتدأ مضمر. وأن يكون منصوبا بإضمار فعل. والجملة من "طوبى لهم" على هذين الوجهين حال مقدرة، العامل فيها "آمنوا وعملوا".

                                                                                                                                                                                                                                      وواو "طوبى" منقلبة عن ياء لأنها من الطيب، وإنما قلبت لأجل الضمة قبلها كموسر وموقن من اليسر واليقين. واختلفوا فيها: فقيل: هي اسم مفرد مصدر كبشرى ورجعى، من طاب يطيب. وقيل: بل هي جمع "طيبة" كما قالوا: كوسى في جمع كيسة، وضوقى في جمع ضيقة. ويجوز أن يقال: "طيبى" بكسر الفاء، وكذلك الكيسى والضيقى. وهل هي اسم لشجرة بعينها أو اسم للجنة بلغة الهند أو الحبشة؟ خلاف مشهور.

                                                                                                                                                                                                                                      وجاز الابتداء بـ "طوبى": إما لأنها علم لشيء بعينه، وإما لأنها نكرة في معنى الدعاء كـ "سلام عليك" و "ويل له"، كذا قال سيبويه. وقال ابن مالك: "إنه [ ص: 48 ] يلزم رفعها بالابتداء، ولا تدخل عليها نواسخه". وهذا يرد عليه: أن بعضهم جعلها في الآية منصوبة بإضمار فعل، أي: وجعل لهم طوبى، وقد يتأيد ذلك بقراءة عيسى الثقفي: "وحسن مآب" بنصب النون. قال: "إنه معطوف على "طوبى"، وإنها في موضع نصب". قال ثعلب: "وطوبى على هذا مصدر كما قالوا: سقيا". وخرج هذه القراءة صاحب "اللوامح" على النداء كـ يا أسفى على الفوت، يعني أن "طوبى" تضاف للضمير، واللام مقحمة، كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      2854 ... ... ... ... يا بؤس للجهل ضرارا لأقوام

                                                                                                                                                                                                                                      و [قوله]:


                                                                                                                                                                                                                                      2855 - يا بوس للحرب التي     وضعت أراهط فاستراحوا

                                                                                                                                                                                                                                      ولذلك سقط التنوين من "بؤس" كأنه قيل: يا طيباهم، أي: ما أطيبهم وأحسن مآبهم. قال الزمخشري : ومعنى طوبى لك: أصبت خيرا وطيبا، ومحلها النصب أو الرفع كقولك: طيبا لك وطيب لك، وسلاما لك، وسلام لك، والقراءة في قوله: "وحسن مآب" بالنصب والرفع تدلك على محليها، واللام في "لهم" للبيان، مثلها في "سقيا لك". فهذا يدل على أنها تتصرف ولا تلزم الرفع بالابتداء.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 49 ] وقرأ مكوزة الأعرابي "طيبى" بكسر الطاء لتسلم الياء نحو: بيض ومعيشة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرئ: "وحسن مآب" بفتح النون ورفع "مآب" على أنه فعل ماض، أصله "حسن" فنقلت ضمة العين إلى الفاء قصدا للمدح، كقولهم:


                                                                                                                                                                                                                                      2856 - ... ... ... ...     حسن ذا أدبا

                                                                                                                                                                                                                                      و "مآب" فاعله.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية