الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون

                                                                                                                                                                                                استعير الحرام للممتنع وجوده ، ومنه قوله عز وجل : إن الله حرمهما على الكافرين [الأعراف : 50 ] ، أي : منعهما منهم ، وأبى أن يكونا لهم ، وقرئ : "حرم ، و حرم " : بالفتح والكسر ، و"حرم وحرم " . ومعنى : "أهلكناها " : عزمنا على إهلاكها ، أو قدرنا إهلاكها ، [ ص: 165 ] ومعنى الرجوع : الرجوع من الكفر إلى الإسلام والإنابة ، ومجاز الآية : أن قوما عزم الله على إهلاكهم غير متصور أن يرجعوا وينيبوا ، إلى أن تقوم القيامة فحينئذ يرجعون ويقولون : يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين يعني : أنهم مطبوع على قلوبهم فلا يزالون على كفرهم ويموتون عليه حتى يروا العذاب ، وقرئ : "إنهم " : بالكسر ، وحق هذا أن يتم الكلام قبله ، فلا بد من تقدير محذوف ، كأنه قيل : وحرام على قرية أهلكناها ذاك ، وهو المذكور في الآية المتقدمة من العمل الصالح والسعي المشكور غير المكفور ، ثم علل ، فقيل : إنهم لا يرجعون عن الكفر ، فكيف لا يمتنع ذلك ، والقراءة بالفتح يصح حملها على هذا ؟ أي : لأنهم لا يرجعون ولا صلة على الوجه الأول .

                                                                                                                                                                                                فإن قلت : بم تعلقت " حتى " : واقعة غاية له ، وأية الثلاث هي ؟

                                                                                                                                                                                                قلت : هي متعلقة بحرام ، وهي غاية له ؛ لأن امتناع رجوعهم لا يزول حتى تقوم القيامة ، وهي "حتى " : التي يحكى بعدها الكلام ، والكلام المحكي : الجملة من الشرط والجزاء ، أعني : "إذا " ، وما في حيزها ، حذف المضاف إلى : يأجوج ومأجوج ، وهو سدهما ، كما حذف المضاف إلى القرية وهو أهلها ، وقيل : فتحت ؛ كما قيل : " أهلكناها " ، وقرئ : "آجوج " ، وهما قبيلتان من جنس الإنس ، يقال : الناس عشرة أجزاء : تسعة منها يأجوج ومأجوج ، "وهم" راجع إلى الناس المسوقين إلى المحشر ، وقيل : هم يأجوج ومأجوج ، يخرجون حين يفتح السد ، الحدب : النشز من الأرض ، وقرأ ابن عباس -رضي الله عنه - : "من كل جدث " ، وهو القبر ، الثاء : حجازية ، والفاء : تميمية ، وقرئ : "ينسلون " : بضم السين ، ونسل وعسل : أسرع .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية