الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الباب الثالث في تعدد الطلاق

                                                                                                                                                                        فيه أطراف .

                                                                                                                                                                        [ الطرف ] الأول : في نية العدد . فإذا قال : طلقتك ، أو أنت طالق ونوى طلقتين ، أو ثلاثا ، وقع ما نوى وكذا حكم الكناية .

                                                                                                                                                                        قلت : وسواء في هذا المدخول بها وغيرها . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        [ ص: 76 ] ولو قال : أنت طالق واحدة بالنصب ، ونوى طلقتين ، أو ثلاثا ، فثلاثة أوجه . أصحها : يقع ما نوى ، صححه البغوي وغيره . والثاني : لا يقع إلا واحدة ، وصححه الغزالي . والثالث قاله القفال : إن بسط نية الثلاث على جميع اللفظ ، لم تقع الثلاث . وإن نوى الثلاث بقوله : أنت طالق ، وقع الثلاث ولغا ذكر واحدة .

                                                                                                                                                                        وإن قال : أردت طلقة ملفقة من أجزاء ثلاث طلقات : وقع الثلاث قطعا . وحكى الإمام طرد وجه فيه ، لبعد اللفظ والفهم ، والمذهب الأول .

                                                                                                                                                                        ولو قال : أنت طالق واحدة بالرفع ، فهو مبني على ما إذا قال : أنت واحدة ، بحذف لفظ الطلاق ، ونوى الثلاث ، وفيه وجهان . أصحهما : وقوع ما نواه . والثاني : تقع واحدة فقط .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال البغوي : ولو قال : أنت بائن باثنتين أو ثلاث ، ونوى الطلاق ، وقع . ثم إن نوى طلقتين أو ثلاثا فذاك ، وإن لم ينو شيئا ، وقع الملفوظ به لأن ما أتى به صريح في العدد كناية في الطلاق . فإذا نوى أصل الطلاق ، وقع العدد المصرح به . وإن نوى واحدة ، فوجهان . أحدهما : يقع ما صرح به من طلقتين أو ثلاث والثاني : لا يقع إلا واحدة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        أراد أن يقول لها : أنت طالق ثلاثا فماتت قبل تمام قوله : أنت طالق ، لم يقع الطلاق ، وإن ماتت بعد تمامه قبل قوله : ثلاثا ، فهل يقع الثلاث أم واحدة ، أم لا يقع شيء ؟ ثلاثة أوجه : قال البغوي : أصحها الأول وهو اختيار المزني . وقال إسماعيل البوشنجي : الذي تقتضيه الفتوى ، أنه إن نوى الثلاث بقوله : أنت طالق [ ص: 77 ] وكان قصده أن يحققه باللفظ ، وقع الثلاث وإلا فواحدة ، وهكذا قال المتولي في تعبيره عن الوجه الأول .

                                                                                                                                                                        وردتها وإسلامها ، إذا لم تكن مدخولا بها قبل قوله : ثلاثا ، كموتها ، وكذا لو أخذ شخص على فمه ومنعه أن يقول : ثلاثا .

                                                                                                                                                                        ولو قال : أنت طالق على عزم الاقتصار عليه ، فماتت فقال : ثلاثا ، قال الإمام : لا شك أن الثلاث لا تقع ، وتقع الواحدة على الصحيح .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        اختلفوا في قوله : أنت طالق ثلاثا ، كيف سبيله ؟ فقيل : قوله : ثلاثا منصوب بالتفسير والتمييز . قال الإمام : هذا جهل بالعربية ، وإنما هو صفة لمصدر محذوف ، أي : طالق طلاقا ثلاثا . كقوله : ضربت زيدا شديدا ، أي : ضربا شديدا .

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        قال : أنت طالق ملء البيت أو البلد أو السماء أو الأرض ، أو مثل الجبل ، أو أعظم من الجبل ، أو أكبر الطلاق بالباء الموحدة ، أو أعظمه ، أو أشده ، أو أطوله ، أو أعرضه ، أو طلقة كبيرة ، أو عظيمة ، لم يقع باللفظ إلا طلقة رجعية .

                                                                                                                                                                        ولو قال : أنت طالق كل الطلاق أو أكثره ، وقع الثلاث . ولو قال : عدد التراب ، قال الإمام : تقع واحدة . وقال البغوي : عندي يقع الثلاث كما لو قال : عدد أنواع التراب . ولو قال : أنت طالق وزن درهم ، أو درهمين ، أو ثلاثة ، أو أحد عشر درهما . ولم ينو عددا لم يقع إلا طلقة . ولو قال : يا مائة طالق ، أو أنت مائة طالق ، نقل البغوي ، والمتولي : أنه يقع الثلاث لأنه في العرف كقوله : أنت طالق مائة . ولو قال : أنت كمائة طالق فهل تقع واحدة أم ثلاث ؟ وجهان . ولو قال : أنت طالق طلقة واحدة ألف مرة ولم ينو عددا ، لم يقع إلا واحدة كما قاله المتولي .

                                                                                                                                                                        [ ص: 78 ] فرع

                                                                                                                                                                        قال : أنت طالق إن لم ، أو أنت طالق إن ، قال إسماعيل البوشنجي : ينظر إن قصد الاستثناء أو التعليق ، فلم يتمه ، فلا أرى أن يقع طلاقه ، ويصدق إذا فسر به للقرينة الظاهرة ، وإن لم يقصد الاستثناء ولا التعليق ، وقع لأنه لو أتى بالاستثناء بلا نية ، لم يقع ، فهنا أولى .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية