الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                [ ص: 166 ] إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون

                                                                                                                                                                                                " ما تعبدون من دون الله " : يحتمل الأصنام وإبليس وأعوانه ؛ لأنهم بطاعتهم لهم واتباعهم خطواتهم في حكم عبدتهم ؛ ويصدقه ما روي : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل المسجد وصناديد قريش في الحطيم ، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما ، فجلس إليهم ، فعرض له النضر بن الحارث فكلمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أفحمه ، ثم تلا عليهم : إنكم وما تعبدون من دون الله . . . الآية ، فأقبل عبد الله بن الزبعري ، فرآهم يتهامسون ، فقال : ففيم خوضكم ؟ فأخبره الوليد بن المغيرة بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال عبد الله : أما والله ، لو وجدته لخصمته ، فدعوه ، فقال ابن الزبعري : أأنت قلت ذلك ؟ قال : نعم ، قال : قد خصمتك ورب الكعبة ، أليس اليهود عبدوا عزيرا ، والنصارى عبدوا المسيح ، وبنو مليح عبدوا الملائكة ؟ فقال -صلى الله عليه وسلم - : "بل هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك " ، فأنزل الله تعالى : إن الذين سبقت لهم منا الحسنى . . .الآية [الأنبياء : 101 ] ، يعني : عزيرا ، والمسيح ، والملائكة ، عليهم السلام .

                                                                                                                                                                                                [ ص: 167 ] فإن قلت : لم قرنوا بآلهتهم ؟

                                                                                                                                                                                                قلت : لأنهم لا يزالون لمقارنتهم في زيادة غم وحسرة ؛ حيث أصابهم ما أصابهم بسببهم ، والنظر إلى وجه العدو باب من العذاب ، ولأنهم قدروا ، أنهم يستشفعون بهم في الآخرة ويستنفعون بشفاعتهم ، فإذا صادفوا الأمر على عكس ما قدروا ، لم يكن شيء أبغض إليهم منهم .

                                                                                                                                                                                                فإن قلت : إذا عنيت بما تعبدون الأصنام ، فما معنى : لهم فيها زفير ؟

                                                                                                                                                                                                قلت : إذا كانوا هم وأصنامهم في قرن واحد ، جاز أن يقال : لهم زفير ، وإن لم يكن الزافرين إلا هم دون الأصنام للتغليب ولعدم الإلباس ، والحصب : المحصوب ، أي : يحصب بهم في النار ، والحصب : الرمي ، وقرئ بسكون الصاد ؛ وصفا بالمصدر ، وقرئ : "حطب" و "حضب " : بالضاد متحركا وساكنا ، وعن ابن مسعود : يجعلون في توابيت من نار فلا يسمعون ، ويجوز أن يصمهم الله كما يعميهم .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية