الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          138 - فصل

                          [ إذا أسلم وتحته أختان متى يطأ الأخت المختارة ] .

                          وإذا تزوج أختين ، ودخل بهما ، ثم أسلم وأسلمتا معه فاختار إحداهما لم يطأها حتى تنقضي عدة أختها ، لئلا يكون واطئا لإحدى الأختين في عدة الأخرى ، وكذلك إذا أسلم وتحته ثمان قد دخل بهن فأسلمن معه فاختار أربعا ، وفارق البواقي لم يطأ واحدة من المختارات حتى تنقضي عدة واحدة من المفارقات ، فإذا انقضت عدة واحدة فله وطء أي المختارات شاء ، فإن انقضت عدة اثنتين فله وطء اثنتين ، وكذلك إلى تمام الأربع ، فإن كن خمسا ففارق إحداهن فله وطء ثلاث من المختارات دون الرابعة ، وإن كن ستا ففارق اثنتين فله وطء اثنتين من المختارات ، وإن كن سبعا ففارق ثلاثا فله وطء واحدة من المختارات ، وكلما انقضت عدة واحدة من المفارقات فله [ ص: 760 ] وطء واحدة من المختارات ، وهذا مبني على أن الرجل إذا طلق امرأته لم ينكح أختها ، ولا الخامسة في عدة المطلقة ، لئلا يكون جامعا لمائه في رحم أختين ، أو أكثر من أربع ، قال ذلك أصحابنا قياسا على نص أحمد فيما إذا طلق إحدى الأختين ، أو الخامسة ، وذلك لحديث زرارة بن أوفى : " ما أجمع أصحاب محمد على شيء ما أجمعوا على أن الأخت لا تنكح في عدة أختها " ، ولأنه بذلك يكون جامعا ماءه في رحم أختين فلا يجوز كجمع العقد وأولى .

                          وعندي أنه إذا اختار أربعا جاز وطؤهن من غير انتظار لانقضاء عدة المفارقات ، وهو قول الجمهور لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يمسك أربعا ، ويفارق سائرهن ، وأمر من تحته أختان أن يفارق أيتهما شاء ، وهو حديث عهد بالإسلام ، ولم يأمره أن ينتظر بوطء من أمسك انقضاء عدة من فارق ، ولا ذكر له ما يدل على ذلك بوجه ، وتأخير البيان لا يجوز [ ص: 761 ] عن وقت الحاجة ، والمفارقات قد بن عنه وخرجن عن عصمته ، وقد يسافرن إلى أهليهن وقد يذهبن حيث شئن فلا تعلم أحوالهن ، فما يدريه بانقضاء عدتهن ؟ !

                          فإن قلتم : " ينتظر علمه بذلك ، أو ينتظر حتى يصرن إلى حد الإياس فيحسب ثلاثة أشهر " ، كان هذا في غاية البعد ، ولا تأتي الشريعة به .

                          وإن قلتم : " ينتظر مقدار ثلاث حيض " فالحيضة قد يطول زمن مجيئها ، فلا يعلم متى تجيء ، فكيف تنقضي العدة بالشك .

                          فإن قلتم : " هذا بعينه وارد فيمن طلق إحدى الأختين ، أو واحدة من أربع " ، فالجواب من وجهين :

                          أحدهما : أن الحكم في صورة النقض لم يثبت بنص يجب التسليم له ، ولا إجماع لا تجوز مخالفته .

                          وأما ما ذكرتم من إجماع الصحابة فسألت شيخنا عنه فقال لي : " الظاهر أنه أراد عدة " الرجعية " ، وهاهنا يتحقق الإجماع ، وأما البائن فأين الإجماع فيها ؟

                          قال الشافعي : " والحجة على جواز ذلك : انقطاع أحكام الزوجية بانقطاع أحكامها من الإيلاء ، والظهار ، واللعان ، والميراث ، وغير ذلك " .

                          [ ص: 762 ] قال : " وهو قول القاسم ، وسالم ، وعروة ، وأكثر أهل دار السنة ، وحرم الله " .

                          وقال مالك في " الموطأ " عن ربيعة أن عروة والقاسم كانا يقولان في الرجل يكون عنده أربع فيطلق إحداهن

                          [ ألبتة ] : إنه يتزوج إذا شاء ، ولا ينتظر حتى تمضي عدتها .

                          وقال سعيد بن المسيب في رجل كان تحته أربع نسوة : إن شاء [ ص: 763 ] تزوج الخامسة في العدة . وكذلك قال في الأختين فطلق إحداهما : إن شاء تزوج الثانية في العدة .

                          قال البيهقي : ورويناه عن الحسن ، وعطاء ، وبكر بن عبد الله ، وخلاس بن عمرو .

                          الوجه الثاني : الفرق بين المسألة المذكورة ، وبين مسألة الطلاق بأن في مسألة الإسلام تبينا أن المفارقات لم يكن زوجات بين الإسلام والاختيار ، وما قبل ذلك لا نحكم عليه بشيء ، فيجري وطؤهن قبل الإسلام مجرى وطء الشبهة ، بخلاف المطلقة ، فإنها كانت زوجه ظاهرا وباطنا ، فالعدة في حقها أثر من آثار نكاح صحيح لازم قابل للدوام ، فلا يلحق به الوطء في نكاح لا يجيزه الإسلام ، ولا نحكم له بالصحة .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية