الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة خمسين ومائتين

فمن الحوادث فيها:

ظهور أبي الحسين يحيى بن عمر بن يحيى بن حسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بالكوفة ، وسبب خروجه أنه نالته ضيقة شديدة ولزمه دين ضاق به ذرعا ، فلقي عمر بن فرح ، وكان يتولى أمر الطالبيين عند مقدمه من خراسان أيام المتوكل فكلمه في صلة فأغلظ له عمر في القول ، فسبه يحيى ، فحبسه فلم يزل محبوسا إلى أن كفله أهله ، فأطلق ، فشخص إلى مدينة السلام ، فأقام بها بحال سيئة ، ثم سار إلى سامراء فلقي وصيفا في رزق يجري عليه ، فأغلظ له وصيف في الرد ، وقال: لأي شيء يجرى على مثلك؟ فانصرف [عنه] ، فخرج إلى الكوفة فجمع جمعا كبيرا من الأعراب وأهل الكوفة ، وأتى الفلوجة ، فكتب صاحب البريد بخبره ، فكتب محمد بن عبد الله بن طاهر إلى أيوب بن الحسن ، وعبد الله بن محمود السرخسي يأمرهما بالاجتماع على محاربته ، فدخل يحيى بن عمر إلى بيت المال بالكوفة ، فوجد فيه ألفي دينار وسبعين ألف درهم ، فأخذها وظهر أمره بالكوفة ، وفتح السجنين فأخرج جميع من كان فيها ، وأخرج عمالهما عنها ، فلقيه عبد الله بن محمود فضربه يحيى ضربة أثخنته ، [ ص: 34 ] فانهزم وحوى يحيى جميع ما [كان] معه من الدواب والمال ، ثم خرج يحيى من الكوفة إلى سوادها ، وتبعه جماعة من الزيدية وغيرهم ، وكثر جمعه ، ووجه ابن طاهر إلى محاربته جمعا كثيرا .

ثم دخل يحيى الكوفة ودعا إلى الرضي من آل محمد ، وكثف أمره ، وتابعه خلق كثير لهم بصائر [وتدين] ، ثم لقي أصحاب ابن طاهر فانهزم أصحاب يحيى ، وذبح هو ، ووجه برأسه إلى محمد بن عبد الله بن طاهر فبعث به إلى المستعين [من الغد] فنصبه بباب العامة بسامراء .

ودخل الناس يهنئون عبد الله بن طاهر ، فدخل رجل فقال: أيها الأمير ، إنك لتهنأ بقتل رجل لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا لعزي به ، فما رد عليه شيئا .

ثم خرج من بعده الحسن بن زيد بن إسماعيل بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب [رضوان الله عليهم] في شهر رمضان؛ وذلك لما جرى على يحيى بن عمر ما جرى على يد ابن طاهر أقطعه المستعين قطائع بطبرستان ، فبعث وكيله فحازها وحاز معها الموات ، فنفر من ذلك أهل تلك الناحية ، واستعدوا لمنعه ، وذهبوا إلى علوي يقال له: محمد بن إبراهيم يدعونه إلى البيعة ، فأبى ، وقال: أدلكم على من هو أقوم مني بذلك: الحسن بن زيد . ودلهم على مسكنه بالري ، فوجهوا [ ص: 35 ] إليه عن رسالة محمد بن إبراهيم من يدعوه إلى طبرستان ، فشخص معه إليهم فبايعوه ، ثم ناهضوا العمال فطردوهم ، ثم زحف بمن معه إلى آمل وهي أول مدائن طبرستان ، فدخلها وقام فيها أياما حتى جبى الخراج من أهلها ، واستعد ، وخرج أصحاب ابن طاهر [واقتتلوا ، وهرب أصحاب ابن طاهر] واجتمعت للحسن بن زيد مع طبرستان الري إلى حد همذان ، وورد الخبر إلى المستعين فبعث إليه جنودا .

وفي هذه السنة: غضب المستعين على جعفر بن عبد الواحد؛ لأن وصيفا زعم أنه قد أفسد الشاكرية فنفي إلى البصرة لسبع بقين من ربيع الأول .

وفيها أسقطت مرتبة من كانت [له] مرتبة في دار العامة من بني أمية كابن أبي الشوارب ، والعثمانيين .

وأخرج من الحبس الحسن بن الأفشين .

وفيها وثب أهل حمص على الفضل بن قارون وهو عامل السلطان عليها فقتلوه في رجب ، فوجه إليهم المستعين موسى بن بغا الكبير ، فشخص من سامراء يوم الخميس لثلاث عشرة خلت من رمضان ، فلما قرب من حمص تلقاه أهلها فحاربهم ، وافتتحها وقتل من أهلها مقتلة عظيمة وحرقها ، وأسر جماعة من رؤساء أهلها .

[ ص: 36 ]

وفيها: وثبت الجند والشاكرية ببلد فارس بعبد الله بن إسحاق بن إبراهيم فانتهبوا داره ، فهرب ، وقتلوا محمد بن الحسن بن قارون .

وفيها: وجه محمد بن طاهر من خراسان بفيلين كان قد وجه بهما إليه من كابل وأصنام .

وحج بالناس في هذه السنة جعفر بن الفضل وهو والي مكة .

التالي السابق


الخدمات العلمية