الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله عز ذكره ( فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير ( 19 ) )

قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه لهؤلاء اليهود الذين وصفنا صفتهم : قد أعذرنا إليكم ، واحتججنا عليكم برسولنا محمد صلى الله عليه وسلم إليكم ، وأرسلناه إليكم ليبين لكم ما أشكل عليكم من أمر دينكم ، كيلا تقولوا : " لم يأتنا من عندك رسول يبين لنا ما نحن عليه من الضلالة" ، فقد جاءكم من عندي رسول يبشر من آمن بي وعمل بما أمرته وانتهى عما نهيته عنه ، وينذر من عصاني وخالف أمري ، وأنا القادر على كل شيء ، أقدر على عقاب من عصاني ، وثواب من أطاعني ، فاتقوا عقابي على معصيتكم إياي وتكذيبكم رسولي ، واطلبوا ثوابي على طاعتكم إياي وتصديقكم بشيري ونذيري ، فإني أنا الذي لا يعجزه شيء أراده ، ولا يفوته شيء طلبه . [ ص: 159 ]

القول في تأويل قوله عز ذكره ( وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم )

قال أبو جعفر : وهذا أيضا من الله تعريف لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم قديم تمادي هؤلاء اليهود في الغي ، وبعدهم عن الحق ، وسوء اختيارهم لأنفسهم ، وشدة خلافهم لأنبيائهم ، وبطء إنابتهم إلى الرشاد ، مع كثرة نعم الله عندهم ، وتتابع أياديه وآلائه عليهم مسليا بذلك نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم عما يحل به من علاجهم ، وينزل به من مقاساتهم في ذات الله . يقول الله له صلى الله عليه وسلم : لا تأس على ما أصابك منهم ، فإن الذهاب عن الله ، والبعد من الحق ، وما فيه لهم الحظ في الدنيا والآخرة ، من عاداتهم وعادات أسلافهم وأوائلهم وتعز بما لاقى منهم أخوك موسى صلى الله عليه وسلم واذكر إذ قال موسى لهم : " يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم " ، يقول : اذكروا أيادي الله عندكم ، وآلاءه قبلكم ، كما : -

11622 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن ابن عيينة : " اذكروا نعمة الله عليكم " ، قال : أيادي الله عندكم وأيامه .

11623 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : " اذكروا نعمة الله عليكم " يقول : عافية الله عز وجل .

قال أبو جعفر : وإنما اخترنا ما قلنا ، لأن الله لم يخصص من النعم شيئا ، بل عم ذلك بذكر النعم ، فذلك على العافية وغيرها ، إذ كانت"العافية" أحد معاني"النعم" . [ ص: 160 ]

القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : أن موسى ذكر قومه من بني إسرائيل بأيام الله عندهم ، وبآلائه قبلهم ، محرضهم بذلك على اتباع أمر الله في قتال الجبارين ، فقال لهم : اذكروا نعمة الله عليكم أن فضلكم ، بأن جعل فيكم أنبياء يأتونكم بوحيه ، ويخبرونكم بأنباء الغيب ، ولم يعط ذلك غيركم في زمانكم هذا .

فقيل : إن الأنبياء الذين ذكرهم موسى أنهم جعلوا فيهم : هم الذين اختارهم موسى إذ صار إلى الجبل ، وهم السبعون الذين ذكرهم الله فقال : ( واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا ) [ سورة الأعراف : 155 ] .

" وجعلكم ملوكا " سخر لكم من غيركم خدما يخدمونكم .

وقيل : إنما قال ذلك لهم موسى ، لأنه لم يكن في ذلك الزمان أحد سواهم يخدمه أحد من بني آدم .

ذكر من قال ذلك :

11624 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا " ، [ ص: 161 ] قال : كنا نحدث أنهم أول من سخر لهم الخدم من بني آدم وملكوا .

وقال آخرون : كل من ملك بيتا وخادما وامرأة ، فهو "ملك" كائنا من كان من الناس .

ذكر من قال ذلك :

11625 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرنا أبو هانئ : أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي يقول : سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص ، وسأله رجل فقال : ألسنا من فقراء المهاجرين؟ فقال له عبد الله : ألك امرأة تأوي إليها؟ قال : نعم! قال : ألك مسكن تسكنه؟ قال : نعم! قال : فأنت من الأغنياء! فقال : إن لي خادما . قال : فأنت من الملوك .

11626 - حدثنا الزبير بن بكار قال : حدثنا أبو ضمرة أنس بن عياض قال : سمعت زيد بن أسلم يقول : "وجعلكم ملوكا" فلا أعلم إلا أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كان له بيت وخادم فهو ملك .

11627 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا العلاء بن عبد الجبار ، عن [ ص: 162 ] حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن الحسن : أنه تلا هذه الآية : "وجعلكم ملوكا" ، فقال : وهل الملك إلا مركب وخادم ودار؟

فقال قائلو هذه المقالة : إنما قال لهم موسى ذلك ، لأنهم كانوا يملكون الدور والخدم ، ولهم نساء وأزواج .

ذكر من قال ذلك :

11628 - حدثنا سفيان بن وكيع وابن حميد قالا : حدثنا جرير ، عن منصور قال : أراه عن الحكم : " وجعلكم ملوكا " ، قال : كانت بنو إسرائيل إذا كان للرجل منهم بيت وامرأة وخادم ، عد ملكا .

11629 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ح ، وحدثنا سفيان قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن الحكم : "وجعلكم ملوكا" قال : الدار والمرأة ، والخادم قال سفيان : أو اثنتين من الثلاثة .

11630 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن رجل ، عن ابن عباس في قوله : " وجعلكم ملوكا " قال : البيت والخادم .

11631 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن منصور ، عن الحكم أو غيره ، عن ابن عباس في قوله : " وجعلكم ملوكا " قال : الزوجة والخادم والبيت .

11632 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : "وجعلكم ملوكا" قال : جعل لكم أزواجا وخدما وبيوتا .

11633 - حدثنا المثنى قال : حدثنا علي بن محمد الطنافسي قال : حدثنا [ ص: 163 ] أبو معاوية ، عن حجاج بن تميم ، عن ميمون بن مهران ، عن ابن عباس في قول الله : " وجعلكم ملوكا " قال : كان الرجل من بني إسرائيل إذا كانت له الزوجة والخادم والدار يسمى ملكا .

11634 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : "وجعلكم ملوكا" قال : ملكهم الخدم قال قتادة : كانوا أول من ملك الخدم .

11635 - حدثني الحارث بن محمد قال : حدثنا عبد العزيز بن أبان قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن مجاهد : " وجعلكم ملوكا " قال : جعل لكم أزواجا وخدما وبيوتا .

وقال آخرون : إنما عنى بقوله : "وجعلكم ملوكا" أنهم يملكون أنفسهم وأهليهم وأموالهم .

ذكر من قال ذلك :

11636 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : "وجعلكم ملوكا" يملك الرجل منكم نفسه وأهله وماله .

التالي السابق


الخدمات العلمية