الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله عز ذكره ( قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين )

قال أبو جعفر : وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن جواب قوم موسى عليه السلام ، إذ أمرهم بدخول الأرض المقدسة : أنهم أبوا عليه إجابته إلى ما أمرهم به من ذلك ، واعتلوا عليه في ذلك بأن قالوا ، إن في الأرض المقدسة التي تأمرنا بدخولها ، قوما جبارين لا طاقة لنا بحربهم ، ولا قوة لنا بهم . وسموهم "جبارين" ، لأنهم كانوا لشدة بطشهم وعظيم خلقهم ، فيما ذكر لنا ، قد قهروا سائر الأمم غيرهم . [ ص: 172 ]

وأصل"الجبار" ، المصلح أمر نفسه وأمر غيره ، ثم استعمل في كل من اجتر نفعا إلى نفسه بحق أو باطل طلب الإصلاح لها ، حتى قيل للمتعدي إلى ما ليس له بغيا على الناس ، وقهرا لهم ، وعتوا على ربه"جبار" ، وإنما هو"فعال" من قولهم : "جبر فلان هذا الكسر" ، إذا أصلحه ولأمه ، ومنه قول الراجز :


قد جبر الدين الإله فجبر وعور الرحمن من ولى العور



يريد : قد أصلح الدين الإله فصلح . ومن أسماء الله تعالى ذكره "الجبار" ، لأنه المصلح أمر عباده ، القاهر لهم بقدرته .

ومما ذكرته من عظم خلقهم ما : -

11656 - حدثني به موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في قصة ذكرها من أمر موسى وبني إسرائيل ، قال : ثم أمرهم بالسير إلى أريحا وهي أرض بيت المقدس فساروا ، حتى إذا كانوا قريبا منهم ، بعث موسى اثني عشر نقيبا من جميع أسباط بني إسرائيل ، فساروا يريدون أن يأتوه بخبر الجبارين ، فلقيهم رجل من الجبارين ، يقال له : " عاج " ، فأخذ الاثني عشر فجعلهم في حجزته ، وعلى رأسه حملة حطب ، وانطلق بهم [ ص: 173 ] إلى امرأته فقال : انظري إلى هؤلاء القوم الذين يزعمون أنهم يريدون أن يقاتلونا!! فطرحهم بين يديها ، فقال : ألا أطحنهم برجلي؟ فقالت امرأته : لا بل خل عنهم حتى يخبروا قومهم بما رأوا! ففعل ذلك .

11657 - حدثني عبد الكريم بن الهيثم قال : حدثنا إبراهيم بن بشار قال : حدثنا سفيان قال : قال أبو سعيد ، قال عكرمة ، عن ابن عباس قال : أمر موسى أن يدخل مدينة الجبارين . قال : فسار موسى بمن معه حتى نزل قريبا من المدينة وهي أريحاء فبعث إليهم اثني عشر عينا ، من كل سبط منهم عينا ، ليأتوه بخبر القوم . قال : فدخلوا المدينة ، فرأوا أمرا عظيما من هيئتهم وجثثهم وعظمهم ، فدخلوا حائطا لبعضهم ، فجاء صاحب الحائط ليجتني الثمار من حائطه ، فجعل يجتني الثمار وينظر إلى آثارهم ، وتتبعهم . فكلما أصاب واحدا منهم أخذه فجعله في كمه مع الفاكهة ، وذهب إلى ملكهم فنثرهم بين يديه ، فقال الملك : قد رأيتم شأننا وأمرنا ، اذهبوا فأخبروا صاحبكم . قال : فرجعوا إلى موسى فأخبروه بما عاينوا من أمرهم .

11658 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : " إن فيها قوما جبارين " ، ذكر لنا أنهم كانت لهم أجسام وخلق ليست لغيرهم .

11659 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : إن موسى عليه السلام قال لقومه : "إني سأبعث رجالا يأتونني بخبرهم" وإنه أخذ من كل سبط رجلا فكانوا اثني عشر نقيبا ، فقال : "سيروا إليهم وحدثوني حديثهم وما أمرهم ، ولا تخافوا ، إن الله معكم ما أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسله ، وعزرتموهم ، وأقرضتم الله قرضا حسنا" وإن القوم ساروا حتى هجموا عليهم ، فرأوا أقواما لهم أجسام عجب عظما [ ص: 174 ] وقوة ، وإنه فيما ذكر أبصرهم أحد الجبارين ، وهم لا يألون أن يخفوا أنفسهم حين رأوا العجب . فأخذ ذلك الجبار منهم رجالا فأتى رئيسهم ، فألقاهم قدامه ، فعجبوا وضحكوا منهم . فقال قائل منهم : "فإن هؤلاء زعموا أنهم أرادوا غزوكم"!! وأنه لولا ما دفع الله عنهم لقتلوا ، وأنهم رجعوا إلى موسى عليه السلام فحدثوه العجب .

11660 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : "اثني عشر نقيبا" من كل سبط من بني إسرائيل رجل ، أرسلهم موسى إلى الجبارين ، فوجدوهم يدخل في كم أحدهم اثنان منهم ، يلقونهم إلقاء ، ولا يحمل عنقود عنبهم إلا خمسة أنفس بينهم في خشبة ، ويدخل في شطر الرمانة إذا نزع حبها خمسة أنفس ، أو أربعة .

11661 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، نحوه .

11662 - حدثني محمد بن الوزير بن قيس ، عن أبيه ، عن جويبر ، عن الضحاك : "إن فيها قوما جبارين" قال : سفلة لا خلاق لهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية