الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1507 مسألة :

                                                                                                                                                                                          وجائز بيع اللحم بالحيوان من نوع واحد كانا أو من نوعين وكذلك يجوز بيع اللحم باللحم من نوع واحد أو من نوعين متفاضلا ، ومتماثلا .

                                                                                                                                                                                          وجائز تسليم اللحم في اللحم كذلك .

                                                                                                                                                                                          وتسليم الحيوان في اللحم ، كلحم كبش بلحم كبش متفاضلا ومتماثلا ، يدا بيد ، [ ص: 469 ] وإلى أجل وكذلك باللحم من غير نوعه أيضا وكتسليم كبش في أرطال لحم كبش أو غيره إلى أجل كل ذلك جائز حلال .

                                                                                                                                                                                          قال الله تعالى : { وأحل الله البيع وحرم الربا }

                                                                                                                                                                                          وقال تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم }

                                                                                                                                                                                          فهذا كله بيع لم يفصل تحريمه .

                                                                                                                                                                                          وأما اللحم باللحم فلم يأت نهي عنه أصلا ، لا صحيح ولا سقيم من أثر .

                                                                                                                                                                                          وأما اللحم بالحيوان فجاء فيه أثر لا يصح .

                                                                                                                                                                                          وهذا كله قول أبي سليمان وأصحابنا . وروي عن ابن عباس وهو قول سفيان الثوري

                                                                                                                                                                                          واختلف الحاضرون على فرق : فطائفة منعت من بيع اللحم بالحيوان جملة ، أي لحم كان لا تحاش شيئا ، بأي حيوان كان لا تحاش شيئا ، حتى منعوا من بيع العبد باللحم .

                                                                                                                                                                                          وهذا قول الشافعي ، واختلف قوله في اللحم باللحم فروي عنه : أن يجمع لحوم الحيوان كلها طائرة ووحشية ، والأنعام ، كلها صنف واحد .

                                                                                                                                                                                          وروي عنه : أن لحم كل نوع صنف على حياله ، ولم يختلف عنه في أنه لا يباع لحم بلحم أصلا حتى يتناهى جفافه ويبسه ؟ فعلى أحد قوليه : لا يباع قديد غنم بقديد إبل ، أو بقديد دجاج ، أو إوز أو مثلا بمثل ، وعلى القول الثاني : أنه لا يباع قديد غنم بقديد غنم ، إلا يدا بيد ، مثلا بمثل ، وجائز أن يباع بقديد البقر متفاضلا يدا بيد .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو حنيفة : جائز بيع اللحم بالحيوان على كل حال ، جائز كل ذلك ، كقولنا سواء بسواء .

                                                                                                                                                                                          وقال محمد بن الحسن : جائز بيع لحم شاة بشاة حية ، إذا كان اللحم أكثر من لحم الشاة الحية ، فإن كان مثله أو أقل لم يجز ، وأجاز بيع شاة ببقرة حية كيف شاءوا .

                                                                                                                                                                                          وأجاز أبو حنيفة ، وأصحابه بيع لحم شاة بلحم شاة متماثلا نقدا ولا بد ، وكذلك [ ص: 470 ] لحم كل صنف بلحم من صنفه وأباحوا التفاضل يدا بيد في كل لحم بلحم من غير صنفه ، والبقر عندهم صنف ، والغنم صنف آخر ، والإبل صنف ثالث وكذلك كل حيوان في صنفه ، إلا الحيتان فإنها كلها عنده صنف واحد ، وإلا لحوم الطير ، فرأوا بيع بعضها ببعض متفاضلا يدا بيد ، لا نسيئة ، كلحم دجاج بلحم دجاج ، أو بلحم صيد ، أو غير ذلك .

                                                                                                                                                                                          ورأى شحم البطن من كل حيوان صنفا غير لحمه ، وغير شحم ظهره .

                                                                                                                                                                                          ورأى الألية صنفا آخر غير اللحم والشحم .

                                                                                                                                                                                          وهذه وساوس لا نظير لها ، وأقوال لا تعقل ، ولا تعلم عن أحد قبله .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك : ذوات الأربع كلها صنف واحد : البقر ، والغنم ، والإبل ، والأرانب ، والأيايل ، وحمر الوحش ، وكل ذي أربع ، فلا يحل لحم شيء منها بحي منها فلم يجز بيع لحم أرنب حي بلحم جمل أصلا ، ولا لحم جمل بلحم كبش ، إلا مثلا بمثل ، يدا بيد ، وكذلك سائر ذوات الأربع .

                                                                                                                                                                                          ورأى الطير كله صنفا واحدا : الدجاج ، والحمام ، والنعام ، والإوز ، والحجل ، والقطا ، وغير ذلك فلم يجز أيضا لحم شيء منها بحي منها وإن كان من غير نوعه وأجاز في لحم بعضها ببعض : التماثل يدا بيد ، ومنع من التفاضل ، فلم يجز التفاضل في لحم دجاج بلحم حبارى وهكذا في كل شيء منها .

                                                                                                                                                                                          ورأى الحيتان كلها صنفا واحدا كذلك أيضا .

                                                                                                                                                                                          ورأى الجراد صنفا رابعا على حياله ، هذا وهو عنده صيد من الطير يجزيه المحرم .

                                                                                                                                                                                          وحرم القديد النيء باللحم المشوي ، وحرمهما جميعا باللحم النيء الطري ، وأجاز كل شيء من هذه الثلاثة الأصناف باللحم المطبوخ من صنفها متفاضلة ومتماثلة يدا بيد ، وأجاز اللحم المطبوخ بعسل باللحم المطبوخ بلبن متماثلا ومنع فيه من التفاضل .

                                                                                                                                                                                          وأجاز شاة مذبوحة بشاة مذبوحة على التحري وهذا ضد أصله .

                                                                                                                                                                                          وهذه أقوال في غاية الفساد ، ولا نعلم أحدا قالها قبله ولو تقصينا تطويلهم ههنا وتناقضه ، لطال جدا وفي هذا كفاية لمن نصح نفسه .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 471 ] قال أبو محمد : واحتج الشافعيون بما رويناه من طريق مالك عن زيد بن أسلم عن سعيد بن المسيب { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان باللحم . }

                                                                                                                                                                                          ومن طريق الحجاج بن المنهال أنا عبد الله بن عمر النميري عن يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبتاع الحي بالميت } قال الزهري : فلا يصلح بشاة حية .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق عن إبراهيم بن أبي يحيى عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس : أن رجلا أراد أن يبيع جزءا من لحم بعير بشاة ؟ فقال أبو بكر الصديق : لا يصلح هذا .

                                                                                                                                                                                          وصح عن سعيد بن المسيب : أن لا يباع حي بمذبوح ، وأنه لا يجوز بعير بغنم معدودة إن كان يريد البعير لينحره .

                                                                                                                                                                                          وقال : كان من ميسر أهل الجاهلية بيع اللحم بالشاة .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو الزناد : أدركت الناس ينهون عن بيع اللحم بالحيوان ويكتبونه في عهود العمال في زمن أبان بن عثمان ، وهشام بن إسماعيل وذكره ابن أبي الزناد عن الفقهاء السبعة ، وأنهم كانوا يعظمون ذلك ولا يترخصون فيه .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : أما الخبر في ذلك فمرسل لم يسند قط ، والعجب من قول الشافعي : إن المرسل لا يجوز الأخذ به ، ثم أخذ ههنا بالمرسل .

                                                                                                                                                                                          ثم عجب آخر من الحنفيين القائلين : المرسل كالمسند ، ثم خالفوا هذا المرسل الذي ليس في المراسيل أقوى منه [ يعظمون هذا ] وهذا مما خالف فيه الحنفيون جمهور العلماء .

                                                                                                                                                                                          ثم المالكيون : فعجب ثالث ; لأنهم احتجوا بهذا الخبر ، وأوهموا أنهم أخذوا به ، وهم قد خالفوه ; لأنهم أباحوا لحم الطير بالغنم ، وهذا خلاف الخبر وإنما هو موافق لقول الشافعي .

                                                                                                                                                                                          وقد خالف مالك أيضا ههنا ما روي عن الفقهاء السبعة ، وعمل الولاة بالمدينة ، وهذا يعظمه جدا إذا وافق رأيهم واحتجوا بخبر أبي بكر وهو من رواية ابن أبي يحيى إبراهيم ، [ ص: 472 ] وأول من أمر أن لا تؤخذ روايته فمالك ، ثم عن صالح مولى التوأمة ، وأول من ضعفه فمالك فيا لله ويا للمسلمين إذا روى الثقات خبرا يخالف رأيهم تحيلوا بالأباطيل في رده ، وإذا روى من يشهدون عليه بالكذب ما يوافقهم احتجوا به ، فأي دين يبقى مع هذا ؟ فإن قال الشافعيون : مراسيل سعيد بن المسيب حجة بخلاف غيره ؟ قلنا لهم : الساعة صارت حجة ؟ فدونكم ما رويناه من طريق سعيد بن منصور نا حفص بن ميسرة عن ابن حرملة عن سعيد بن المسيب ، قال { : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباع الحيوان بالمفاطيم من الغنم فقولوا به ، وإلا فقد تلاعبتم ، واتقوا الله . }

                                                                                                                                                                                          وقد رويت في هذه آثار أيضا بزيادة ، فروينا من طريق حماد بن سلمة حدثنا عبد الكريم بن يزيد بن طلق : أن رجلا نحر جزورا فجعل يبيع العضو بالشاة ، وبالقلوص ، إلى أجل فكره ذلك ابن عمر .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق وكيع أنا إسرائيل عن عبد الله بن عصمة سمعت ابن عباس وسئل عمن اشترى عضوا من جزور قد نحرت برجل عناق وشرط على صاحبها أن يرضعها حتى تفطم ؟ فقال ابن عباس : لا يصلح .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : هذا شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل .

                                                                                                                                                                                          وروينا من طريق عبد الرزاق أنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن رجل عن ابن عباس قال : لا بأس أن يباع اللحم بالشاة .

                                                                                                                                                                                          فإن قيل : هذا عن رجل ؟ قلنا : وخبر أبي بكر عن ابن أبي يحيى وليس بأوثق ممن سكت عنه كائنا من كان .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري : لا بأس بالشاة القائمة بالمذبوحة .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية