الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد

                                                                                                                                                                                                                                      وجاءه أي: لوطا، وهو في بيته مع أضيافه قومه يهرعون إليه أي: يسرعون، كأنما يدفعون دفعا لطلب الفاحشة من أضيافه، والجملة حال من قومه، وكذا قوله تعالى: ومن قبل أي: من قبل هذا الوقت كانوا يعملون السيئات أي: جاءوا مسرعين، والحال أنهم كانوا منهمكين في عمل السيئات، فضروا بها وتمرنوا فيها حتى لم يبق عندهم قبحتها، ولذلك لم يستحيوا مما فعلوا من مجيئهم مهرعين مجاهرين.

                                                                                                                                                                                                                                      قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فتزوجوهن، وكانوا يطلبونهن من قبل ولا يجيبهم لخبثهم وعدم كفاءتهم، لا لعدم مشروعيته، فإن تزويج المسلمات من الكفار كان جائزا، وقد زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ابنتيه من عتبة بن أبي لهب، وأبي العاص بن الربيع - قبل الوحي - وهما كافران، وقيل: كان لهم سيدان مطاعان، فأراد أن يزوجهما ابنتيه، وأيا ما كان فقد أراد به وقاية ضيفه، وذلك غاية الكرم، وقيل: ما كان ذلك القول منه مجرى على الحقيقة من إرادة النكاح، بل كان ذلك مبالغة في التواضع لهم وإظهارا لشدة امتعاضه مما أوردوا عليه؛ طمعا في أن يستحيوا منه، ويرقوا له إذا سمعوا ذلك فينزجروا عما أقدموا عليه مع ظهور الأمر واستقرار العلم عنده وعندهم جميعا بأن لا مناكحة بينهم، وهو الأنسب بقولهم: (لقد علمت ما لنا في بناتك من حق) كما ستقف عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      فاتقوا الله بترك الفواحش، أو بإيثارهن عليهم ولا تخزون في ضيفي أي: لا تفضحوني في شأنهم، فإن إخزاء ضيف الرجل وجاره إخزاء له ، أو لا تخجلوني، من الخزاية وهي الحياء أليس منكم رجل رشيد يهتدي إلى الحق الصريح، ويرعوي عن الباطل القبيح؟!

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية