الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                              [ ص: 662 ] سورة مريم

                                                                                                                                                                                              قوله تعالى: وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون

                                                                                                                                                                                              ولا يزال أهل جهنم في رجاء الفرج إلى أن يذبح الموت، فحينئذ يقع منهم الإياس وتعظم عليهم الحسرة والحزن .

                                                                                                                                                                                              وفي "الصحيحين " عن أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار، فيقال: يا أهل الجنة هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون، وينظرون، ويقولون: نعم، هذا الموت، ويقال: يا أهل النار، هل تعرفون هذا فيشرئبون وينظرون، فيقولون: نعم، هذا الموت، قال: فيؤمر به فيذبح، ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت" .

                                                                                                                                                                                              ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون
                                                                                                                                                                                              وخرجه الترمذي بمعناه، وزاد: "فلولا أن الله قضى لأهل الجنة بالحياة والبقاء لماتوا فرحا، ولولا أن الله قضى لأهل النار بالحياة والبقاء لماتوا ترحا" .

                                                                                                                                                                                              وخرج الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه معناه من حديث أبي هريرة [ ص: 663 ] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال فيه: "إن أهل الجنة يطلعون خائفين وجلين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه، وإن أهل النار يطلعون مستبشرين فرحين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه " وفي رواية الترمذي : "مستبشرين يرجون الشفاعة" .

                                                                                                                                                                                              وخرجاه في "الصحيحين " من حديث ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعناه . وفي حديثه "فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم " وخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مختصرا، وفيه: "فلو أن أحدا مات فرحا لمات أهل الجنة، ولو أن أحدا مات حزنا لمات أهل النار" .

                                                                                                                                                                                              وخرج ابن أبي حاتم بإسناده عن ابن مسعود من قوله نحو هذا المعنى غير مرفوع وزاد: "أنه ينادى أهل الجنة وأهل النار: هو الخلود أبد الآبدين " . قال: فيفرح أهل الجنة فرحة لو كان أحد ميتا من فرحه لماتوا، ويشهق أهل النار شهقة لو كان أحد ميتا من شهقه لماتوا، فذلك قوله: وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين وقوله تعالى: وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر

                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن هشام بن حسان ، قال: مر عمر بن الخطاب بكثيب من رمل فبكى، فقيل له: ما يبكيك يا أمير المؤمنين ؟ قال: ذكرت أهل النار فلو كانوا مخلدين في النار بعدد هذا الرمل كان لهم أمد يمدون إليه أعناقهم ولكنه الخلود أبدا . وقد روي عن ابن مسعود هذا المعنى أيضا مرفوعا، وموقوفا، وسنذكره فيما بعد - إن شاء الله تعالى . [ ص: 664 ] وأما عصاة الموحدين: فإنه ربما ينفعهم الدعاء في النار، خرج الإمام أحمد من حديث أبي ظلال عن أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن عبدا في جهنم لينادي ألف سنة: يا حنان يا منان، فيقول الله عز وجل لجبريل عليه السلام: اذهب فأتني بعبدي هذا، فيذهب جبريل فيجد أهل النار منكبين يبكون، فيرجع إلى الله عز وجل فيخبره، فيقول: ائتني به فإنه في مكان كذا وكذا، فيجيء به ويوقفه على ربه، فيقول له: يا عبدي كيف وجدت مكانك؟ فيقول: يا رب شر مكان وشر مقيل، فيقول: ردوا عبدي . فيقول: يا رب ما كنت أرجو إذ أخرجتني منها أن تردني، فيقول: دعوا عبدي " .

                                                                                                                                                                                              أبو ظلال اسمه هلال; ضعفوه .

                                                                                                                                                                                              خرج الترمذي من طريق رشدين بن سعد ، حدثني ابن أنعم - هو الإفريقي -، عن أبي عثمان أنه حدثه عن أبى هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن رجلين ممن دخل النار اشتد صياحهما، فقال الرب عز وجل: أخرجوهما، فلما خرجا، قال لهما: لأي شيء اشتد صياحكما، قالا: فعلنا ذلك لترحمنا، قال: رحمتي لكما أن تنطلقا فتلقيا أنفسكما حيث كنتما من النار، قال: فينطلقان فيلقي أحدهما نفسه، فيقول له الرب عز وجل: ما منعك أن تلقي نفسك كما ألقى صاحبك؟ قال: إني لأرجو أن لا تعيدني فيها بعد ما أخرجتني، فيقول له الرب عز وجل: لك رجاؤك، فيدخلا جميعا الجنة برحمة الله عز وجل " . قال الترمذي : إسناد هذا الحديث ضعيف .

                                                                                                                                                                                              وفي "صحيح مسلم " عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يخرج من النار أربعة فيعرضون على الله عز وجل، فيلتفت أحدهم فيقول: أي رب إذ أخرجتني منها فلا تعدني فيها، قال: فينجيه منها" . [ ص: 665 ] وخرجه ابن حبان في "صحيحه " وعنده: "فيلتفت فيقول: يا رب ما كان هذا رجائي فيك، فيقول: ما كان رجاؤك؟ قال: كان رجائي إذ أخرجتني منها أن لا تعيدني فيها . فيرحمه الله فيدخله الجنة" .

                                                                                                                                                                                              وخرج الإمام أحمد من رواية علي بن زيد بن جدعان عن ابن المسيب عن أبي سعيد وأبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن آخر رجلين يخرجان من النار فيقول الله عز وجل لأحدهما: يا ابن آدم ماذا أعددت لهذا اليوم; هل عملت خيرا قط ؟ هل رجوتني؟ فيقول: لا، أي رب، فيؤمر به إلى النار . فهو أشد أهل النار حسرة، ويقول للآخر: ماذا أعددت لهذا اليوم؟ هل عملت خيرا قط أو رجوتني؟ فيقول: لا، أي رب، إلا أني كنت أرجوك، قال: فيرفع له شجرة"، وذكر الحديث في دخوله الجنة وما يعطى فيها .

                                                                                                                                                                                              وخرج هناد بن السري من طريق أبي هارون العبدي وفيه ضعف شديد عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أن رجالا يدخلهم الله النار فيحرقهم بها حتى يكونوا فحما أسود، وهم أعلى أهل النار، فيجأرون إلى الله عز وجل يدعونه، فيقولون: ربنا أخرجنا منها، فاجعلنا في أصل هذا الجدار، فإذا جعلهم في أصل الجدار رأوا أنه لا يغني عنهم شيئا، قالوا: ربنا اجعلنا من وراء هذا السور، لا نسألك شيئا بعده، فيرفع لهم شجرة حتى تذهب عنهم سخنة النار - أو: شحنة النار" وذكر الحديث .

                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية