الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        89 [ ص: 21 ] 14 - باب الرخصة في ترك الوضوء من المذي

                                                                                                                        76 - مالك : عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، أنه سمعه ورجل يسأله ، فقال إني لأجد البلل وأنا أصلي ، أفأنصرف ؟ فقال له سعيد : لو سال على فخذي ما انصرفت حتى أقضي صلاتي .

                                                                                                                        77 - مالك : عن الصلت بن زبيد ؛ أنه قال : سألت سليمان بن يسار عن البلل أجده ، فقال انضح ما تحت ثوبك بالماء واله عنه .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        2497 - وترجمته في هذا الباب بالرخصة في ترك الوضوء من المذي ليست من الباب في شيء ؛ لأنه لا رخصة عند أحد من علماء المسلمين [ ص: 22 ] في المذي الخارج على الصحة ، كلهم يوجب الوضوء منه ، وهي سنة مجمع عليها ، لا خلاف والحمد لله فيها .

                                                                                                                        2498 - حدثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال حدثنا ابن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن شيبة ، حدثنا هشيم بن بشر ، عن يزيد بن أبي زياد ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي قال : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المذي فقال " فيه الوضوء وفي المني الغسل " .

                                                                                                                        2499 - ولما صح الإجماع في وجوب الوضوء من المذي لم يبق إلا أن تكون الرخصة في خروجه من فساد وعلة . فإذا كان خروج كذلك فلا وضوء فيه عند مالك ولا عند سلفه وعلماء أهل بلده ؛ لأن ما لا يرقأ ولا ينقطع فلا وجه للوضوء منه .

                                                                                                                        2500 - ومعنى قول سعيد بن المسيب أنه يلزم من فحش سلس بوله أو مذيه ولم يرقأ دم جرحه أو دمله أن يغسله من ثوبه ، ولا يدخل في صلاته حتى يغسل ما فحش منه وكثر . فإذا دخل في الصلاة لم يقطعها ولو سال على فخذه .

                                                                                                                        2501 - فأراد سعيد بقوله ذلك أن كثرة المذي وفحشه في البدن والثوب لا يمنع المصلي من تمام صلاته ، وليس كذلك ابتداءه ؛ لأنه يؤمر بغسل الكثير الفحش منه قبل دخوله في الصلاة ، ولا يؤمر بقطعها .

                                                                                                                        2502 - وفي رواية ابن القاسم عن مالك في هذا الحديث ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، قال يحيى بن سعيد : وأخبرني من كان عند سعيد أنه قال للرجل : فإذا انصرفت إلى أهلك فاغسل ثوبك .

                                                                                                                        [ ص: 23 ] 2503 - قال يحيى : وأما أنا فلم أسمعه منه . وهذه الزيادة رواها يحيى بن مسكين وغيره عن ابن القاسم ، وهي توضح لك ما فسرنا . وبالله توفيقنا .

                                                                                                                        2504 - ذكر ابن وهب : عن الليث بن سعد أن كثير بن فرقد حدثه أن عبد الرحمن الأعرج حدثه أن عمر بن الخطاب قال : إني لأجد المذي ينحدر مني مثل الجمان أو اللؤلؤ ، فما التفت إليه ولا أباليه .

                                                                                                                        2505 - وهذا يدل أن عمر استنكحه أمر المذي ، وغلب عليه ، وسلس منه كما يسلس البول ، فقال فيه القول .

                                                                                                                        2506 - وهذا خلاف القول الذي حكى عنه أسلم مولاه في حال الصحة على ما في الموطأ .

                                                                                                                        2507 - وذكر ابن أبي ذئب في موطئه عن أخيه المغيرة بن عبد الرحمن أنه قال : كان يخرج مني المذي ، قال : فربما توضأت المرتين والثلاث ، فأتيت ربيعة بن أبي عبد الرحمن فسألته : فقال : والله ما أدري ، ائت القاسم بن محمد فسله ، عسى أن تجد عنده علما . قال : فجئت القاسم فسألته : فقال : إنما ذلك من الشيطان فاله عنه ، فلهوت عنه ، فانقطع عني .

                                                                                                                        2508 - وهذا الباب فيمن كان خروج المذي منه لعلة وفساد لا لصحة وشهوة . [ ص: 24 ] وهو الذي يسميه أصحابنا المستنكح ، وهو صاحب السلس الذي لا ينقطع مذيه أو بوله لعلة نزلت به من كبر ، أو برد ، أو غير ذلك .

                                                                                                                        2509 - وقد أجمع العلماء على أنه لا يسقط ذلك عنه فرض الصلاة ، وأن عليه أن يصليها في وقتها على حالته تلك ، إذ لا يستطيع غيرها .

                                                                                                                        2510 - واختلفوا في إيجاب الوضوء عليه للصلاة مع حاله تلك ، فذهب مالك أنه لا يجب له الوضوء لكل صلاة ، ولكنه يستحب له ذلك ، اعتبارا بالمستحاضة . والوضوء عنده لها استحباب أيضا .

                                                                                                                        2511 - وحجته قوله تعالى : " أو جاء أحد منكم من الغائط " [ النساء 43 ، والمائدة 6 ] : وذلك لما كان معتادا معروفا قصد الغائط من أجله ، ولأن دم المستحاضة دم عرق ، ولا يوجب ذلك عنده وضوءا .

                                                                                                                        2512 - وقد مضى في باب الأحداث وجه قوله ، ويأتي القول في المستحاضة في موضعه إن شاء الله .

                                                                                                                        2513 - وقال الشافعي : يتوضأ لكل صلاة .

                                                                                                                        2514 - وقال الأوزاعي : يجمع بين الظهر والعصر بوضوء واحد .

                                                                                                                        2515 - وقال الثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما : الوضوء على المستحاضة واجب لكل صلاة ، رووا في ذلك آثارا سنذكرها أو بعضها في بابها إن شاء الله .

                                                                                                                        2516 - وقالوا تؤدي صلاتها على تلك الحال فكذلك وضوءها .

                                                                                                                        2517 - وكذلك قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " فإذا أدبرت الحيضة فاغتسلي وتوضئي لكل صلاة " .

                                                                                                                        2518 - وسنوضح ذلك في باب المستحاضة إن شاء الله .




                                                                                                                        الخدمات العلمية