الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ومن الأحزاب من ينكر بعضه الواو للاستئناف . وهذا استئناف ابتدائي انتقل به إلى فضل لبعض أهل الكتاب في حسن تلقيهم للقرآن بعد الفراغ من ذكر أحوال المشركين من قوله كذلك أرسلناك في أمة إلخ ، ولذلك جاءت على أسلوبها في التعقيب بجملة قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به .

والمناسبة هي أن الذين أرسل إليهم بالقرآن انقسموا في التصديق بالقرآن فرقا : ففريق آمنوا بالله وهم المؤمنون ، وفريق كفروا به وهم مصداق قوله وهم يكفرون بالرحمن . كما تقدم أنه عائد إلى المشركين المفهومين من المقام كما هو مصطلح القرآن .

وهذا فريق آخر أيضا أهل الكتاب وهو منقسم أيضا في تلقي القرآن فرقتين : فالفريق الأول صدقوا بالقرآن وفرحوا به وهم الذين ذكروا في قوله تعالى وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق في سورة العقود ، وكلهم من النصارى مثل ورقة بن نوفل وكذلك غيره ممن بلغهم القرآن أيام مقام النبيء صلى الله عليه وسلم بمكة قبل أن تبلغهم دعوة النبيء صلى الله عليه وسلم فإن اليهود [ ص: 157 ] كانوا قد سروا بنزول القرآن مصدقا للتوراة ، وكانوا يحسبون دعوة النبيء صلى الله عليه وسلم مقصورة على العرب فكان اليهود يستظهرون بالقرآن على المشركين ، قال تعالى وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ، وكان النصارى يستظهرون به على اليهود ; وفريق لم يثبت لهم الفرح بالقرآن وهم معظم اليهود والنصارى البعداء عن مكة . وما كفر الفريقان به إلا حين علموا أن دعوة الإسلام عامة .

وبهذا التفسير تظهر بلاغة التعبير عنهم ب ( يفرحون ) دون يؤمنون ، وإنما سلكنا هذا الوجه بناء على أن هذه السورة مكية كان نزولها قبل أن يسلم عبد الله بن سلام وسلمان الفارسي وبعض نصارى نجران وبعض نصارى اليمن . فإن كانت السورة مدنية أو كان هذا من المدني فلا إشكال . فالمراد بالذين آتيناهم الكتاب الذين أوتوه إيتاء كاملا ، وهو المجرد عن العصبية لما كانوا عليه وعن الحسد ، فهو كقوله تعالى الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به .

فالأظهر أن المراد بالأحزاب أحزاب الذين أوتوا الكتاب ، كما جاء في قوله تعالى فاختلف الأحزاب من بينهم في سورة مريم ، أي ومن أحزابهم من ينكر بعض القرآن . فاللام عوض عن المضاف إليه . ولعل هؤلاء هم خبثاؤهم ودهاتهم الذين توسموا أن القرآن يبطل شرائعهم فأنكروا بعضه . وهو ما فيه من الإيماء إلى ذلك من إبطال أصول عقائدهم مثل عبودية عيسى عليه السلام بالنسبة للنصارى . ونبوءته بالنسبة لليهود .

وفي التعبير عنهم بالأحزاب إيماء إلى أن هؤلاء هم المتحزبون المتصلبون لقومهم ولما كانوا عليه . وهكذا كانت حالة اضطراب أهل الكتاب عندما دمغتهم بعثة النبيء صلى الله عليه وسلم وأخذ أمر الإسلام يفشو .

التالي السابق


الخدمات العلمية