الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1509 مسألة :

                                                                                                                                                                                          والشركة ، والإقالة ، والتولية : كلها بيوع مبتدأة لا يجوز في شيء منها إلا ما يجوز في سائر البيوع لا تحاش ، شيئا وهو قول الشافعي ، وأصحابنا في الشركة ، والتولية .

                                                                                                                                                                                          وقالوا : الإقالة فسخ بيع ، وليست بيعا ، وقال ربيعة ، ومالك : كل ما لا يجوز فيه [ ص: 482 ] البيع قبل القبض أو قبل الاكتيال فإنه لا بأس فيه بالشركة ، والتولية ، والإقالة قبل القبض ، وقبل الاكتيال وروي هذا عن الحسن في التولية فقط .

                                                                                                                                                                                          واحتجوا بما رويناه من طريق عبد الرزاق ، قال ابن جريج : أخبرني ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حديثا مستفاضا في المدينة { من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه ويستوفيه ، إلا أن يشرك فيه أو يوليه أو يقبله } .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك : إن أهل العلم اجتمع رأيهم على أنه لا بأس بالشركة ، والإقالة ، والتولية في الطعام وغيره يعني قبل القبض قال أبو محمد : وما نعلم روي هذا إلا عن ربيعة ، وعن طاوس فقط - وقوله عن الحسن في التولية قد جاء عنه خلافها .

                                                                                                                                                                                          قال علي : أما خبر ربيعة فمرسل ولا حجة في مرسل ، ولو استند لسارعنا إلى الأخذ به ، ولو كانت استفاضته عن أصل صحيح لكان الزهري أولى بأن يعرف ذلك من ربيعة ، فبينهما في هذا الباب بون بعيد ، والزهري مخالف له في ذلك .

                                                                                                                                                                                          وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال : التولية بيع في الطعام وغيره وبه إلى معمر عن أيوب السختياني قال : قال ابن سيرين : لا تولية حتى يقبض ويكال .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق الحجاج بن المنهال أنا الربيع بن صبيح قال : سألت الحسن عن الرجل يشتري الطعام فيوليه الرجل ؟ قال : ليس له أن يوليه حتى يقبضه ؟ فقال له عبد الملك بن الشعشاع : يا أبا سعيد أبرأيك تقوله ؟ قال : لا أقوله برأيي ، ولكنا أخذناه عن سلفنا ، وأصحابنا

                                                                                                                                                                                          قال علي : سلف الحسن هم الصحابة رضي الله عنهم ، أدرك منهم خمسمائة صاحب وأكثر ، وغزا مع مئين منهم وأصحابه هم أكابر التابعين ، فلو أقدم امرؤ على دعوى الإجماع ههنا لكان أصح من الإجماع الذي ذكره مالك بلا شك ومن طريق [ ص: 483 ] عبد الرزاق أنا سفيان الثوري عن زكريا بن أبي زائدة وفطر بن خليفة ، قال زكريا عن الشعبي ، وقال فطر : عن الحكم ، ثم اتفق الشعبي ، والحكم : على أن التولية بيع ، قال سفيان : ونحن نقول : والشركة بيع ، ولا يشرك حتى يقبض فهؤلاء الصحابة ، والتابعون كما ترى .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : الشركة ، والتولية ، إنما هو نقل ملك المرء عينا ما صح ملكه لها ، أو بعض عين ما صح ملكه لها إلى ملك غيره بثمن مسمى وهذا هو البيع نفسه ، ليست هذه الصفة ألبتة إلا للبيع ، ولا يكون بيع أصلا إلا بهذه الصفة فصح أنهما بيع صحيح ، وهم لا يخالفوننا في أنه لا يجوز فيهما إلا ما يجوز في البيع ، إلا فيما ذكرنا ههنا فقط وهذا تخصيص بلا برهان .

                                                                                                                                                                                          وأما الحنفيون : فإنهم يقولون بالمرسل ونقضوا ههنا أصلهم ، فتركوا مرسل ربيعة الذي ذكرناه وما نعلم المالكيين احتجوا بغير ما ذكرنا إلا أن بعضهم قال : الشركة ، والتولية ، والإقالة معروف ؟ فقلنا : فكان ماذا ؟ والبيع أيضا معروف ، وما عهدنا المعروف تباح فيه محرمات ، ولو كان ذلك لكان منكرا لا معروفا .

                                                                                                                                                                                          وسنتكلم إن شاء الله تعالى في الإقالة إثر هذه المسألة في مسألة مفردة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية