الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
475 [ ص: 324 ] حديث رابع وخمسون لهشام بن عروة

مالك عن هشام بن عروة ، عن أبيه أنه قال : نزلت ( عبس وتولى ) في عبد الله بن أم مكتوم جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل يقول : يا محمد ، استدنني ، وعند النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل من عظماء المشركين ، فجعل النبي - عليه السلام - يعرض عنه ويقبل على الآخر ويقول : يا فلان هل ترى بما أقول بأسا ، فيقول : لا والدمى ما أرى بما تقول بأسا ، فأنزلت ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى ) .

التالي السابق


وهذا الحديث لم يختلف الرواة عن مالك في إرساله ، وهو يستند من حديث عائشة من رواية يحيى بن سعيد الأموي ويزيد بن سنان الزهاوي ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، ومالك أثبت من هؤلاء ، ورواه ابن جريج ، عن هشام بن عروة ( بمثل حديث مالك ، وروى وكيع ، عن هشام ، عن أبيه ) ، عن أبيه عروة في قوله - عز وجل - : ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى ) قال : نزلت في ابن أم مكتوم .

وقال معمر ، عن قتادة قال : جاء ابن أم مكتوم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يكلم يومئذ أبي بن خلف ، فأعرض عنه فنزلت الآية ( عبس وتولى ) فكان بعد ذلك يكرمه . [ ص: 325 ] وأخبرنا يحيى بن يوسف حدثنا يوسف بن أحمد ، حدثنا محمد بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن عيسى الترمذي ، حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد قال : حدثنا أبي قال : مما عرضنا على هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : أنزلت ( عبس وتولى ) في ابن أم مكتوم الأعمى ، أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل يقول : يا رسول الله ، استدنني ، وعند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل من عظماء المشركين ، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرض عنه ويقبل على الآخر ويقول : أترى بما أقول بأسا ؟ فيقول : لا ، ففي هذا أنزلت ( عبس وتولى ) .

وأخبرنا عثمان بن أحمد قال : حدثنا محمد بن علي قال : حدثنا الحسن بن إبراهيم قال : حدثنا أبو عيسى محمد بن عيسى فذكره .

وأخبرنا خلف بن القاسم قال : حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد الخصيب القاضي بمصر قال : حدثنا أبو محمد الهيثم بن خلف بن عبد الرحمن بن مجاهد الغطوطي الدوري قال : حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري قال : حدثنا أحمد بن بشير ، حدثنا أبو البلاد ، عن مسلم بن صحيح ، عن مسروق قال : دخلت على عائشة وعندها رجل مكفوف تقطع له الأترج وتطعمه إياه بالعسل ، فقلت : من هذا يا أم المؤمنين ؟ فقالت : ابن أم مكتوم الذي عاتب الله فيه نبيه - صلى الله عليه وسلم - أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وعنده عقبة وشيبة فأقبل عليهم فنزلت ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى ) .

وذكر حجاج ، ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : جاءه ابن أم مكتوم وعنده رجال من قريش ، فقال له : علمني مما علمك الله ، فأعرض عنه وعبس في وجهه وأقبل على القوم يدعوهم إلى الإسلام ، فأنزلت ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى ) فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نظر إليه بعد ذلك مقبلا بسط رداءه حتى يجلسه عليه ، وكان إذا خرج من المدينة استخلفه يصلي بالناس حتى [ ص: 326 ] يرجع . وقال ابن جريج ، عن مجاهد في قوله : ( أما من استغنى ) قال : عتبة وشيبة ابنا ربيعة ( فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى ) قال ابن جريج : ابن أم مكتوم ( كلا إنها تذكرة ) قال ابن جريج : قال ابن عباس : تذكرة الغني والفقير . قال سنيد : وقال غير ابن جريج : ( أما من استغنى فأنت له تصدى ) قال : تقبل عليه بوجهك ( وما عليك ألا يزكى ) قال : ألا يصلح ( وأما من جاءك يسعى ) بعمل من الخير ( وهو يخشى ) الله ( فأنت عنه تلهى ) قال : تعرض ، ثم وعظه فقال : ( كلا ) لا تقبل على من استغنى وتعرض عمن يخشى ( إنها تذكرة ) قال : موعظة ( فمن شاء ذكره ) قال : القرآن ، من شاء فهم القرآن وتدبره واتعظ به .

قال أبو عمر : فيما أوردنا في هذا الباب عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم ما يفسر معنى هذا الحديث ويغنينا عن القول فيه .

وأما قوله : لا والدمى - بضم الدال - فالمعنى : الأصنام التي كانوا يعبدون ويعظمون ، واحدتها الدمية ، وطائفة روت عنه : لا والدماء - بكسر الدال - والمعنى : دماء الهدايا التي كانوا يذبحون بمنى لآلهتهم .

[ ص: 327 ] قال الشاعر وهو توبة بن الحمير :


علي دماء البدن إن كان بعلها يرى لي ذنبا غير أني أزورها



وقال آخر :


أما ودماء المزجيات إلى منى لقد كفرت أسماء غير كفور






الخدمات العلمية