الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب عطف على جملة يمحو الله ما يشاء ويثبت باعتبار ما تفيده من إبهام مراد الله في آجال الوعيد ومواقيت إنزال الآيات ، فبينت هذه الجملة أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - ليس مأمورا بالاشتغال بذلك ولا بترقبه وإنما هو مبلغ عن الله لعباده والله يعلم ما يحاسب به عباده سواء شهد النبيء - صلى الله عليه وسلم - ذلك أم لم يشهده .

وجعل التوفي كناية عن عدم رؤية حلول الوعيد بقرينة مقابلته بقوله نرينك ، والمعنى : ما عليك إلا البلاغ سواء رأيت عذابهم أم لم تره .

وفي الإتيان بكلمة ( بعض ) إيماء إلى أنه يرى البعض . وفي هذا إنذار لهم بأن الوعيد نازل بهم ولو تأخر ; وأن هذا الدين يستمر بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه إذا كان الوعيد الذي أمر بإبلاغه واقعا ولو بعد وفاته فبالأولى أن يكون شرعه الذي لأجله جاء وعيد الكافرين به شرعا مستمرا بعده ، ضرورة أن الوسيلة لا تكون من الأهمية بأشد من المقصد المقصودة لأجله .

وتأكيد الشرط بنون التوكيد و ( ما ) المزيدة بعد إن الشرطية مراد منه تأكيد الربط بين هذا الشرط وجوابه وهو فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب . على أن نون التوكيد لا يقترن بها فعل الشرط إلا إذا زيدت ( ما ) بعد ( إن ) الشرطية فتكون إرادة التأكيد مقتضية لاجتلاب مؤكدين ، فلا يكون ذلك إلا لغرض تأكيد قوي .

[ ص: 170 ] وقد أرى الله نبيه بعض ما توعد به المشركين من الهلاك بالسيف يوم بدر ويوم الفتح ويوم حنين وغيرها من أيام الإسلام في حياة النبيء - صلى الله عليه وسلم - ولم يره بعضه مثل عذاب أهل الردة فإن معظمهم كان من المكذبين المبطنين الكفر مثل : مسيلمة الكذاب .

وفي الآية إيماء إلى أن العذاب الذي يحل بالمكذبين لرسوله - صلى الله عليه وسلم - عذاب قاصر على المكذبين لا يصيب غير المكذب لأنه استئصال بالسيف قابل للتجزئة ، واختلاف الأزمان رحمة من الله بأمةمحمد - صلى الله عليه وسلم - .

و ( على ) في قوله عليك البلاغ وعلينا الحساب مستعملة في الإيجاب والإلزام ، وهو في الأول حقيقة وفي الثاني مجاز في الوجوب لله بالتزامه به .

و ( إنما ) للحصر ، والمحصور فيه هو البلاغ لأنه المتأخر في الذكر من الجملة المدخولة لحرف الحصر ، والتقدير : عليك البلاغ لا غيره من إنزال الآيات أو من تعجيل العذاب ، ولهذا قدم الخبر على المبتدأ لتعيين المحصور فيه .

وجملة وعلينا الحساب عطف على جملة عليك البلاغ فهي مدخولة في المعنى لحرف الحصر . والتقدير : وإنما علينا الحساب ، أي : محاسبتهم على التكذيب لا غير الحساب من إجابة مقترحاتهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية