الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين

                                                                                                                                                                                                                                      ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط أي: بالعدل من غير زيادة ولا نقصان، فإن الزيادة في الكيل والوزن - وإن كان تفضلا مندوبا إليه - لكنها في الآلة محظورة كالنقص، فلعل الزائد للاستعمال عند الاكتيال والناقص للاستعمال وقت الكيل، وإنما أمر بتسويتهما وتعديلهما صريحا بعد النهي عن نقصهما مبالغة في الحمل على الإيفاء والمنع من البخس، وتنبيها على أنه لا يكفيهم مجرد الكف عن النقص والبخس، بل يجب عليهم إصلاح ما أفسدوه، وجعلوه معيارا لظلمهم وقانونا لعدوانهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تبخسوا الناس بسبب نقصهما وعدم اعتدالهما أشياءهم التي يشترونها بهما، وقد صرح بالنهي عن البخس بعدما علم ذلك في ضمن النهي عن نقص المعيار والأمر بإيفائه اهتماما بشأنه، وترغيبا في إيفاء الحقوق بعد الترهيب والزجر عن نقصها، ويجوز أن يكون المراد بالأمر بإيفاء المكيال [ ص: 232 ] والميزان الأمر بإيفاء المكيلات والمزونات، ويكون النهي عن البخس عاما للنقص في المقدار وغيره تعميما بعد التخصيص، كما في قوله تعالى: ولا تعثوا في الأرض مفسدين فإن العثي يعم نقص الحقوق وغيره من أنواع الفساد، وقيل: البخس المكس كأخذ العشور في المعاملات، قال زهير بن أبي سلمى:


                                                                                                                                                                                                                                      أفي كل أسواق العراق إتاوة وفي كل ما باع امرؤ مكس درهم



                                                                                                                                                                                                                                      والعثي في الأرض السرقة وقطع الطريق والغارة، وفائدة الحال إخراج ما يقصد به الإصلاح، كما فعله الخضر - عليه السلام - من خرق السفينة وقتل الغلام، وقيل: معناه: ولا تعثوا في الأرض مفسدين أمر آخرتكم ومصالح دينكم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية