الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: " وكذلك بعثناهم " ; أي: وكما فعلنا بهم ما ذكرنا، بعثناهم من تلك النومة، " ليتساءلوا " ; أي: ليكون بينهم تساؤل وتنازع واختلاف في مدة لبثهم، فيفيد تساؤلهم اعتبار المعتبرين بحالهم . " قال قائل منهم كم لبثتم " ; أي: كم مر علينا منذ دخلنا هذا الكهف ؟ " قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم " وذلك أنهم دخلوا غدوة، وبعثهم الله في آخر النهار ; فلذلك قالوا: ( يوما )، فلما رأوا الشمس قالوا: ( أو بعض يوم ) . " قالوا ربكم أعلم بما لبثتم " قال ابن عباس: القائل لهذا يمليخا رئيسهم، رد علم ذلك إلى الله تعالى . وقال في رواية أخرى: إنما قاله مكسلمينا، وهو أكبرهم . قال أبو سليمان: وهذا يوجب أن تكون نفوسهم قد حدثتهم أنهم قد لبثوا أكثر مما ذكروا . وقيل: إنما قالوا ذلك ; لأنهم رأوا أظفارهم وأشعارهم قد طالت جدا .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: " فابعثوا أحدكم " قال ابن الأنباري: إنما قال: " أحدكم " ، [ ص: 121 ] ولم يقل: ( واحدكم ) ; لئلا يلتبس البعض بالممدوح المعظم، فإن العرب تقول: رأيت أحد القوم، ولا يقولون: رأيت واحد القوم، إلا إذا أرادوا المعظم، فأراد بأحدهم: بعضهم، ولم يرد شريفهم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: " بورقكم " قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، والكسائي، وحفص عن عاصم: ( بورقكم ) الراء مكسورة خفيفة . وقرأ أبو عمرو، وحمزة، وأبو بكر عن عاصم ساكنة الراء . وعن أبي عمرو: ( بورقكم ) مدغمة يشمها شيئا من التثقيل . قال الزجاج: تصير كافا خالصة . قال الفراء: الورق لغة أهل الحجاز، وتميم يقولون: الورق، وبعض العرب يكسرون الواو فيقولون: الورق . قال ابن قتيبة: الورق: الفضة، دراهم كانت أو غير دراهم، يدلك على ذلك حديث عرفجة أنه اتخذ أنفا من ورق .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: " إلى المدينة " يعنون: التي خرجوا منها، واسمها دقسوس، ويقال: هي اليوم طرسوس .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: " فلينظر أيها " قال الزجاج: المعنى: أي أهلها . " أزكى طعاما " وللمفسرين في معناه ستة أقوال:

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أحل ذبيحة، قاله ابن عباس وعطاء، وذلك أن عامة أهل بلدهم كانوا كفارا، فكانوا يذبحون للطواغيت، وكان فيهم قوم يخفون إيمانهم . والثاني: أحل طعاما، قاله سعيد بن جبير . قال الضحاك: وكان أكثر أموالهم غصوبا . وقال مجاهد: قالوا لصاحبهم: لا تبتع طعاما فيه ظلم ولا غصب . والثالث: أكثر، قاله عكرمة . والرابع: خير ; أي: أجود، قاله قتادة . [ ص: 122 ]

                                                                                                                                                                                                                                      والخامس: أطيب، قاله ابن السائب ومقاتل . والسادس: أرخص، قاله يمان بن رياب . قال ابن قتيبة: وأصل الزكاة: النماء والزيادة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: " فليأتكم برزق منه " ; أي: بما تأكلونه . " وليتلطف " ; أي: ليدقق النظر فيه وليحتل ; لئلا يطلع عليه . " ولا يشعرن بكم " ; أي: ولا يخبرن أحد بمكانكم . " إنهم إن يظهروا " ; أي: يطلعوا ويشرفوا عليكم، " يرجموكم " وفيه ثلاثة أقوال:

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: يقتلوكم، قاله ابن عباس . وقال الزجاج: يقتلوكم بالرجم . والثاني: يرجموكم بأيديهم استنكارا لكم، قاله الحسن . والثالث: بألسنتهم شتما لكم، قاله مجاهد وابن جريج .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: " أو يعيدوكم في ملتهم " ; أي: يردوكم في دينهم، " ولن تفلحوا إذا أبدا " ; أي: إن رجعتم في دينهم لم تسعدوا في الدنيا ولا في الآخرة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية