الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب سنة الجلوس في التشهد وكانت أم الدرداء تجلس في صلاتها جلسة الرجل وكانت فقيهة

                                                                                                                                                                                                        793 حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن عبد الله بن عبد الله أنه أخبره أنه كان يرى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يتربع في الصلاة إذا جلس ففعلته وأنا يومئذ حديث السن فنهاني عبد الله بن عمر وقال إنما سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى وتثني اليسرى فقلت إنك تفعل ذلك فقال إن رجلي لا تحملاني [ ص: 356 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 356 ] قوله : ( باب سنة الجلوس في التشهد ) أي السنة في الجلوس الهيئة الآتي ذكرها ، ولم يرد أن نفس الجلوس سنة . ويحتمل إرادته على أن المراد بالسنة الطريقة الشرعية التي هي أهم من الواجب والمندوب . وقال الزين بن المنير : ضمن هذه الترجمة ستة أحكام ، وهي أن هيئة الجلوس غير مطلق الجلوس ، والتفرقة بين الجلوس للتشهد الأول والأخير وبينهما وبين الجلوس بين السجدتين ، وأن ذلك كله سنة ، وأن لا فرق بين الرجال والنساء ، وأن ذا العلم يحتج بعمله اهـ . وهذا الأخير إنما يتم إذا ضم أثر أم الدرداء إلى الترجمة ، وقد تقدم تقرير ذلك ، وأثر أم الدرداء المذكور وصله المصنف في التاريخ الصغير من طريق مكحول باللفظ المذكور ، وأخرجه ابن أبي شيبة من هذا الوجه ، لكن لم يقع عنده قول مكحول في آخره " وكانت فقيهة " فجزم بعض الشراح بأن ذلك من كلام البخاري لا من كلام مكحول ، فقال مغلطاي : القائل : " وكانت فقيهة " هو البخاري فيما أرى . وتبعه شيخنا ابن الملقن فقال : الظاهر أنه قول البخاري اهـ .

                                                                                                                                                                                                        وليس كما قالا ، فقد رويناه تاما في مسند الفريابي أيضا بسنده إلى مكحول ، ومن طريقة البخاري أن الدليل إذا كان عاما وعمل بعمومه بعض العلماء رجح به وإن لم يحتج به بمجرده ، وعرف من رواية مكحول أن المراد بأم الدرداء الصغرى التابعية لا الكبرى الصحابية لأنه أدرك الصغرى ولم يدرك الكبرى ، وعمل التابعي بمفرده ولو لم يخالف لا يحتج به ، وإنما وقع الاختلاف في العمل بقول الصحابي كذلك ، ولم يورد البخاري أثر أم الدرداء ليحتج به بل للتقوية .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن عبد الله بن عبد الله ) أي ابن عمر ، وهو تابعي ثقة سمي باسم أبيه وكني بكنيته .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أنه أخبره ) صريح في أن عبد الرحمن بن القاسم حمله عنه بلا واسطة ، وقد اختلف فيه الرواة عن مالك فأدخل معن بن عيسى وغيره عنه فيه - بين عبد الرحمن بن القاسم وعبد الله بن عبد الله - القاسم بن محمد والد عبد الرحمن ، بين ذلك الإسماعيلي وغيره ، فكأن عبد الرحمن سمعه من أبيه عنه ، ثم لقيه أو سمعه منه معه وثبته فيه أبوه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وتثني اليسرى ) لم يبين في هذه الرواية ما يصنع بعد ثنيها هل يجلس فوقها أو يتورك ، ووقع في الموطأ عن يحيى بن سعيد أن القاسم بن محمد أراهم الجلوس في التشهد فنصب رجله اليمنى وثنى اليسرى وجلس على وركه اليسرى ولم يجلس على قدمه ثم قال : أراني هذا عبد الله بن عبد الله بن عمر وحدثني أن [ ص: 357 ] أباه كان يفعل ذلك . فتبين من رواية القاسم ما أجمل في رواية ابنه ، وإنما اقتصر البخاري على رواية عبد الرحمن لتصريحه فيها بأن ذلك هو السنة لاقتضاء ذلك الرفع ، بخلاف رواية القاسم ، ورجح ذلك عنده حديث أبي حميد المفصل بين الجلوس الأول والثاني ، على أن الصفة المذكورة قد يقال إنها لا تخالف حديث أبي حميد لأن في الموطأ أيضا عن عبد الله بن دينار التصريح بأن جلوس ابن عمر المذكور كان في التشهد الأخير ، وروى النسائي من طريق عمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد أن القاسم حدثه عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال " من سنة الصلاة أن ينصب اليمنى ويجلس على اليسرى " فإذا حملت هذه الرواية على التشهد الأول ورواية مالك على التشهد الأخير انتفى عنهما التعارض ووافق ذلك التفصيل المذكور في حديث أبي حميد ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقلت إنك تفعل ذلك ) أي التربع قال ابن عبد البر : اختلفوا في التربع في النافلة وفي الفريضة للمريض ، وأما الصحيح فلا يجوز له التربع في الفريضة بإجماع العلماء ، كذا قال ، وروى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال " لأن أقعد على رضفتين أحب إلي من أن أقعد متربعا في الصلاة " وهذا يشعر بتحريمه عنده ، ولكن المشهور عن أكثر العلماء أن هيئة الجلوس في التشهد سنة ، فلعل ابن عبد البر أراد بنفي الجواز إثبات الكراهة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إن رجلي ) كذا للأكثر ، وفي رواية حكاها ابن التين " إن رجلاي " ووجهها على أن " إن " بمعنى نعم ، ثم استأنف فقال " رجلاي لا تحملاني " أو على اللغة المشهورة لغة بني الحارث ، ولها وجه آخر لم يذكره ، وقد ذكرت الأوجه في قراءة من قرأ إن هذان لساحران .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لا تحملاني ) بتشديد النون ويجوز التخفيف .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية