الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فمنهم من يقول : المسيح ومريم إلهان من دون الله وهم المريمانية .

ومنهم من يقول : المسيح من الأب بمنزلة شعلة نار ، تعلقت من شعلة نار ، فلم تنقص من الأولى لإيقاد الثانية منها .

ومنهم من كان يقول : لم تحبل مريم تسعة شهور ، وإنما مر نور في بطن مريم كما يمر الماء في الميزاب ، لأن كلمة الله دخلت من أذنها وخرجت من حيث يخرج الولد من ساعتها ، وهذه مقالة ألبان وأشياعه .

ومنهم من كان يقول : إن المسيح إنسان خلق من اللاهوت كواحد منا في جوهره ، وإن ابتدأ الابن من مريم ، وأنه اصطفي ليكون مخلصا للجوهر الإنسي صحبته النعمة الإلهية ، فحلت منه بالمحبة والمشيئة فلذلك سمي ابن الله .

[ ص: 555 ] ويقولون : إن الله جوهر واحد وأقنوم واحد ، ويسمونه بثلاثة أسماء ، ولا يؤمنون بالكلمة ولا بروح القدس ، وهذه مقالة بولس وأشياعه .

ومنهم من كان يقول : ثلاثة آلهة لم يزل صالح وطالح وعدل بينهما ، وهذه مقالة مرقيون وأشياعه .

ومنهم من يقول : ربنا هو المسيح ، وهي مقالة الثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا .

قال ابن البطريق : فلما سمع قسطنطين الملك مقالاتهم عجب من ذلك ، وأخلى لهم دارا ، وتقدم لهم بالإكرام والضيافة ، وأمرهم أن يتناظروا فيما بينهم لينظر من معه الحق فيتبعه ، فاتفق منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر أسقفا على دين واحد ورأي واحد .

وناظروا بقية الأساقفة المختلفين ، ففلحوا عليهم في المناظرة .

وكان باقي الأساقفة مختلفي الأراء والأديان ، فصنع الملك للثلاثمائة والثمانية عشر أسقفا مجلسا عظيما ، وجلس في وسطه ، وأخذ خاتمه وسيفه ، وقضيبه فدفع ذلك إليهم ، وقال لهم : قد سلطتكم اليوم على المملكة ، فاصنعوا ما بدا لكم ، وما ينبغي لكم أن تصنعوا ، مما فيه قوام الدين وصلاح الأمة ، فباركوا على الملك وقلدوه سيفه ، وقالوا له : أظهر دين النصرانية وذب عنه ، ووضعوا له أربعين كتابا فيها السنن والشرائع ، وفيها ما يصلح أن يعمل فيه الأساقفة وما يصلح للملك أن يعمل فيها .

[ ص: 556 ] وكان رئيس القوم والجمع المقدم فيه بترك الإسكندرية ، وبترك أنطاكية وأسقف بيت المقدس .

التالي السابق


الخدمات العلمية