الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        91 [ ص: 25 ] 15 - باب الوضوء من مس الفرج

                                                                                                                        78 - مالك : عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم [ ص: 26 ] ؛ أنه سمع عروة بن الزبير يقول : دخلت على مروان بن الحكم ، فتذاكرنا ما يكون منه الوضوء . فقال مروان : ومن مس الذكر الوضوء . فقال عروة : ما علمت هذا . فقال مروان بن الحكم : أخبرتني بسرة بنت صفوان ، أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول " إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ " .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        2519 - قد ذكرنا بسرة والاختلاف في نسبها في كتاب الصحابة وفي [ ص: 27 ] التمهيد أيضا .

                                                                                                                        2520 - وذكرنا في التمهيد ما وقع عندي في نسخة عبيد الله بن يحيى ، عن أبيه من الوهم في إسناد هذا الحديث .

                                                                                                                        2521 - وذكرنا الاختلاف فيه على عروة وعلى هشام وعلى ابن شهاب .

                                                                                                                        2522 - وذكرنا ما يصح من ذلك في حديث بسرة ، وأنه لا يصح فيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ما في " الموطأ " من رواية مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر ، سمع عروة ، سمع مروان ، سمع بسرة ، سمعت النبي عليه السلام .

                                                                                                                        2523 - وقد وهم فيه ابن وهب فذكره في موطئه قال : أخبرني مالك وابن لهيعة وعمرو بن الحارث ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عروة بن الزبير ، عن بسرة ، وهذا خطأ على مالك .

                                                                                                                        2524 - وقد أوضحنا علل ذلك في التمهيد ، ونذكرها هنا عيونا كافية إن شاء الله .

                                                                                                                        2525 - حدثنا خلف بن القاسم ، قال حدثنا محمد بن زكريا بن يحيى بن المقدسي ببيت المقدس ، قال : حدثنا مضر بن محمد ، قال : سألت يحيى بن معين : أي حديث يصح في مس الذكر ؟ فقال يحيى : لولا حديث جاء عن عبد الله بن [ ص: 28 ] أبي بكر لقلت : لا يصح فيه شيء ، فإن مالكا يقول : حدثنا عبد الله بن أبي بكر ، قال : حدثنا عروة ، قال : حدثنا مروان ، قال : حدثتني بسرة .

                                                                                                                        2526 - فهذا يحيى بن معين موضعه من هذا الشأن الموضع المعلوم ، وقد صحح حديث بسرة من رواية مالك ، وكان يقول : بالوضوء من مس الذكر لذلك .

                                                                                                                        2527 - ومن قال في حديث بسرة : إنه عن حرسي ، جاهل - متعسف لا يدري ، وذلك أنه اعتل بعلة لو تدبرها أمسك عنها .

                                                                                                                        2528 - ذكر سفيان بن عيينة ، قال حدثني عبد الله بن أبي بكر ، قال : تذاكر أبي وعروة ما يتوضأ منه ، فقال عروة : في مس الذكر الوضوء . فقال أبي : إن هذا لشيء ما سمعته . فقال عروة : بلى .

                                                                                                                        2529 - أخبرني مروان بن الحكم قال : أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من مس ذكره فليتوضأ " فقلت : إني أشتهي أن ترسل - وأنا شاهد - رجلا أو قال : حرسيا إلى بسرة فأرسل ، فجاء الرسول من عندها بذلك .

                                                                                                                        [ ص: 29 ] 2530 - وحديث شعيب ، عن الزهري ، قال : أخبرني عبد الله بن أبي بكر : أنه سمع عروة بن الزبير يقول : ذكر مروان في إمارته على المدينة أنه يتوضأ من مس الذكر إذا أفضى إليه الرجل بيده . فأنكرت ذلك ، وقلت : لا وضوء على من مسه . فقال مروان : أخبرتني بسرة بنت صفوان : أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر بالوضوء من مس الذكر . قال عروة : فلم أزل أماري مروان حتى دعا رجلا من حرسه ، فأرسله إلى بسرة فسألها ، فأخبرته بمثل الذي حدثني به عنها مروان .

                                                                                                                        2531 - وهذان الحديثان قد ذكرتهما في التمهيد بأسانيدهما ، وفيهما سماع عروة من مروان ، وسماع مروان من بسرة .

                                                                                                                        2532 - وإرسال من أرسلا إلى بسرة - حرسيا كان أو شرطيا - لا يقدح فيما صح من سماع مروان له من بسرة ، بل يزيده قوة .

                                                                                                                        2533 - وهذا ما لا خفاء به على من له أدنى علم ومعرفة . فهذا هو الصحيح في حديث بسرة ، وعروة عن مروان عن بسرة سماعا وكل من خالف ذلك فقد أخطأ فيه .

                                                                                                                        2534 - والاختلاف فيه كثير على هشام ، وعلى ابن شهاب . والصحيح فيه ما ذكره ابن معين وغيره على ما وصفت لك والرواية الصحيحة عن ابن شهاب مثل رواية مالك ، قد تقدمت من حديث ابن عيينة عن ابن شهاب .

                                                                                                                        2535 - وكذلك رواه عقيل بن خالد ، عن ابن شهاب .

                                                                                                                        2536 - وكذلك رواه الليث ، عن عبد الرحمن بن خالد ، عن ابن شهاب ، عن عبد الله بن أبي بكر أنه سمع عروة يحدث عن مروان : أن بسرة أخبرته .

                                                                                                                        [ ص: 30 ] 2537 - وفي رواية ابن شهاب هذا الحديث عن عبد الله بن أبي بكر ما يدخل في رواية الكبار عن الصغار ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                        2538 - وقد كان أحمد بن حنبل يصحح حديث بسرة في مس الذكر أيضا ، ويفتي به ويقول : وحديث أم حبيبة أيضا في مس الذكر لا أدفعه .

                                                                                                                        2539 - ذكر أبو علي سعيد بن السكن الحافظ ، قال : كان أحمد بن حنبل يذهب إلى حديث بسرة ويختاره .

                                                                                                                        2540 - قال : وصحح حديث أم حبيبة أيضا .

                                                                                                                        2541 - قال ابن السكن : ولا أعلم في حديث أم حبيبة علة إلا أنه قيل : إن مكحولا لم يسمعه من عتبة بن أبي سفيان .

                                                                                                                        2542 - قال أبو عمر : حديث أم حبيبة حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، وسعيد بن نضر ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا ابن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا المعلى بن المنصور ، قال : حدثنا الهيثم بن حميد : قال : حدثنا يعلى ، عن مكحول ، عن عتبة بن أبي سفيان ، عن أم حبيبة ، قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من مس ذكره فليتوضأ " .

                                                                                                                        2543 - وذكر أبو زرعة قال : كان أحمد بن حنبل يعجبه حديث أم حبيبة في مس الذكر ، ويقول : هو حسن الإسناد .

                                                                                                                        2544 - فهذان إماما أهل الحديث قد قضيا بتصحيح حديث بسرة فصححاه .

                                                                                                                        [ ص: 31 ] 2545 - ثم قال : إنه ناسخ لحديث طلق بن علي ؛ لأن طلق بن علي قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبني المسجد ، ثم رجع إلى بلاد قومه . وإسلام بسرة بنت صفوان إنما كان عام الفتح ، وحفظها متأخر عن تاريخ حديث طلق بن علي .

                                                                                                                        2546 - وقد صحح ابن السكن في هذا الباب أيضا حديث أبي هريرة .

                                                                                                                        2547 - حدثنا خلف بن قاسم ، قال حدثنا سعيد بن عثمان بن السكن ومحمد بن إبراهيم بن إسحاق السراج ، قال حدثنا علي بن محمد بن سليمان البزاز ، قال حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني ، قال حدثنا أصبغ بن الفرج ، قال حدثنا عبد الرحمن بن القاسم ، قال حدثني نافع بن أبي نعيم ، ويزيد بن عبد الملك بن المغيرة ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من أفضى بيده إلى فرجه ليس دونه حجاب فقد وجب عليه الوضوء " .

                                                                                                                        2548 - قال ابن السكن : هذا الحديث من أجود ما روي في هذا الباب لرواية ابن القاسم صاحب مالك ، عن نافع بن أبي نعيم . وأما يزيد فضعيف والله أعلم .

                                                                                                                        [ ص: 32 ] 2549 - قال أبو عمر : كان حديث أبي هريرة هذا لا يعرف إلا بيزيد بن عبد الملك هذا حتى رواه أصبغ بن الفرج ، عن ابن القاسم عن نافع بن أبي نعيم ، وزيد بن عبد الملك النوفلي جميعا ، عن ابن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة .

                                                                                                                        2550 - وأصبغ وابن القاسم ثقتان فقيهان ، فصح الحديث بنقل العدل على ما ذكر ابن السكن .

                                                                                                                        2551 - إلا أن أحمد بن حنبل كان لا يرضى عن نافع بن أبي نعيم القاري . وخالفه ابن معين فيه ، فقال : هو ثقة . وقال أحمد بن حنبل : هو ضعيف منكر الحديث .

                                                                                                                        2552 - وروى سحنون هذا الحديث عن ابن القاسم ، فلم يذكر فيه نافع بن أبي نعيم .

                                                                                                                        2553 - وأما الصحابة القائلون بإيجاب الوضوء من مس الذكر : فعمر بن الخطاب ، وابن عمر ، وأبو هريرة - على اختلاف عنه - والبراء بن عازب ، وزيد بن خالد الجهني ، وجابر بن عبد الله ، وسعد بن أبي وقاص ، في رواية أهل المدينة عنه .

                                                                                                                        2554 - ومن التابعين : سعيد بن المسيب في رواية عبد الرحمن بن حرملة عنه ، رواه ابن أبي ذئب ، وحاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن حرملة عن [ ص: 33 ] سعيد بن المسيب : أن الوضوء واجب على من مس ذكره .

                                                                                                                        2555 - وروى ابن أبي ذئب ، عن الحارث بن عبد الرحمن ، عن سعيد بن المسيب : أنه كان لا يرى في مس الذكر شيئا .

                                                                                                                        2556 - ومعمر عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنه كان يراه كبعض جسد ولا يتوضأ منه .

                                                                                                                        2557 - وهذا أصح عندي من حديث عبد الرحمن بن حرملة ؛ لأنه ليس بالحافظ ، وقتادة حافظ . وقد تابعه الحارث بن عبد الرحمن .

                                                                                                                        2558 - وكان عطاء بن أبي رباح ، وطاوس ، وعروة بن الزبير ، وسليمان بن يسار ، وأبان بن عثمان ، وابن شهاب ، ومجاهد ، ومحكول ، وجابر بن زيد ، والشعبي ، والحسن ، وعكرمة ، وجماعة أهل الشام والمغرب ، وأكثر أهل الحديث يرون الوضوء من مس الذكر .

                                                                                                                        2559 - وبه قال الأوزاعي ، والليث بن سعد ، والشافعي وأصحابه ، وأحمد ، وإسحاق ، وداود ، والطبري .

                                                                                                                        2560 - وفي الموطأ الحديث عن سعد ، وابن عمر ، وعروة .

                                                                                                                        2561 - وأما سائر الصحابة والتابعين ففي كتاب عبد الرزاق ، وأبي بكر بن أبي شيبة .

                                                                                                                        2562 - وقال الليث : ومن مس بين أليتيه فعليه الوضوء .

                                                                                                                        2563 - وقال الشافعي : من مس دبره فعليه الوضوء لأنه فرج .

                                                                                                                        2564 - وهو قول عطاء ، والزهري وميمون بن مهران ، والرجال والنساء [ ص: 34 ] في ذلك عنده سواء .

                                                                                                                        2565 - واضطرب قول مالك في إيجاب الوضوء منه ، واختلف مذهبه فيه . والذي تقرر عليه المذهب عند أهل المغرب من أصحابه - أنه من مس ذكره أمره بالوضوء ما لم يصل ، فإن صلى أمره بالإعادة في الوقت ، فإن خرج الوقت فلا إعادة عليه .

                                                                                                                        2566 - واختلف أصحابه وأتباعه على أربعة أقوال : فمنهم من لم ير على من مس ذكره وضوءا ، ولا على من صلى بعد أن مسه إعادة صلاته في وقت ولا غيره . وممن ذهب إلى هذا سحنون والعتقي .

                                                                                                                        2567 - ورأى الإعادة في الوقت : ابن القاسم ، وأشهب ، ورواية عن ابن وهب .

                                                                                                                        2568 - ومنهم من رأى الوضوء عليه واجبا ، ورأى الإعادة على من صلى بعد أن مسه الوقت وبعده ، منهم : أصبغ بن الفرج ، وعيسى بن دينار . وهو مذهب ابن عمر ؛ لأنه أعاد منه صلاة الصبح بعد طلوع الشمس ، وهو قول الشافعي .

                                                                                                                        2569 - وأما إسماعيل بن إسحاق وأصحابه البغداديين المالكيون كابن بكير ، وابن المنتاب ، وأبي الفرج ، والأبهري - فإنهم اعتبروا في مسه وجود اللذة كملامس النساء عندهم . فإن التذ الذي لمس ذكره وجب عليه الوضوء ، وإن صلى - وقد مسه - قبل أن يتوضأ أعاد الصلاة أبدا ، وإن خرج الوقت . [ ص: 35 ] وإن لم يلتذ بمسه فلا شيء عليه . وهذا قول رابع . ومن ذهب إلى هذا سوى بين باطن الكف وظاهرها .

                                                                                                                        2570 - واختلفوا فيمن مسه ناسيا ، وعلى ثوب خفيف ، أو مسه بذراعه أو بظاهر كفه ، أو قصد إلى مسه بشيء ، من أعضائه سوى يده :

                                                                                                                        2571 - فمنهم من يرى في ذلك كله الوضوء .

                                                                                                                        2572 - ومنهم من لم ير عليه في ذلك شيئا .

                                                                                                                        2573 - وتحصيل المذهب عند المالكيين من أهل المغرب أن من مس ذكره بباطن الكف أو الراحة أو بباطن الأصابع دون حائل انتقض وضوءه ، ومن مس ذكره بخلاف ذلك لم ينتقض وضوءه .

                                                                                                                        2574 - وقد روى ابن وهب عن مالك في ذلك روايتين : أحسنهما أنه بباطن كفه انتقض وضوؤه .

                                                                                                                        2575 - ففرق في ذلك بين العمد والنسيان ، وليس هذا حكم الأحداث . وهذا قول الليث بن سعد وداود بن علي ؛ لأن الحديث ورد فيمن مس ذكره ، أو مس فرجه . ولا يكون ماسا إلا من قصد إلى اللمس ؛ لأن الفاعل حقيقة هو من قصد إلى الفعل أراده .

                                                                                                                        مس ذكره ناسيا أو على ثوب وإن كان خفيفا فلا شيء عليه . وإن أفضى إليه .

                                                                                                                        2576 - وقال الأوزاعي ، وسعيد بن عبد العزيز ، والشافعي وأصحابه ، وأحمد ، وإسحاق : خطؤه وعمده سواء كسائر الأحداث .

                                                                                                                        2577 - قال أبو عمر لا يصح في مس الذكر لمن صحح فيه الأثر إلا [ ص: 36 ] الإعادة في الوقت وبعده لمن مس دون حائل بين يده وبينه .




                                                                                                                        الخدمات العلمية