الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين

                                                                                                                                                                                                                                        بأسهم بينهم شديد فيه ثلاثة أقاويل:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها: أنه اختلاف قلوبهم حتى لا يتفقوا على أمر واحد ، قاله السدي .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنه وعيدهم للمسلمين لنفعلن كذا وكذا ، قاله مجاهد . تحسبهم جميعا فيه قولان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: أنهم اليهود.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنهم المنافقون واليهود ، قاله مجاهد . وقلوبهم شتى يعني مختلفة متفرقة ، قال الشاعر


                                                                                                                                                                                                                                        إلى الله أشكو نية شقت العصا هي اليوم شتى وهي بالأمس جمع

                                                                                                                                                                                                                                        وفي قراءة ابن مسعود (وقلوبهم أشت) بمعنى أشد تشتيتا ، أي أشد اختلافا. وفي اختلاف قلوبهم وجهان: [ ص: 509 ] أحدهما: لأنهم على باطل ، والباطل مختلف ، والحق متفق.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنهم على نفاق ، والنفاق اختلاف.

                                                                                                                                                                                                                                        وقوله تعالى كمثل الذين من قبلهم قريبا الآية. فيه أربعة أقاويل:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها: أنهم كفار قريش يوم بدر ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنهم قتلى بدر ، قاله السدي ، ومقاتل.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: أنهم بنو النضير الذين أجلوا من الحجاز إلى الشام ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع: أنهم بنو قريظة ، كان قبلهم إجلاء بني النضير. ذاقوا وبال أمرهم بأن نزلوا على حكم سعد [بن معاذ] فحكم فيهم بقتل مقاتليهم وسبي ذراريهم ، قاله الضحاك . وفيه وجهان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: في تجارتهم.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: في نزول العذاب بهم. كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فيه قولان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: أنه مثل ضربه الله للكافر في طاعته للشيطان ، وهو عام في الناس كلهم ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنها خاصة في سبب خاص صار به المثل عاما ، وذلك ما رواه عطية العوفي عن ابن عباس أن راهبا كان في بني إسرائيل يعبد الله فيحسن عبادته ، وكان يؤتى من كل أرض يسأل عن الفقه وكان عالما، وأن ثلاثة إخوة كانت لهم أخت من أحسن النساء مريضة ، وأنهم أرادوا سفرا فكبر عليهم أن يذروها ضائعة ، فجعلوا يأتمرون فيما يفعلون، فقال أحدهم: ألا أدلكم على من تتركونها عنده؟ فقال له من؟ فقال: راهب بني إسرائيل، وإن مات قام عليها ، وإن عاشت حفظها حتى ترجعوا إليه، فعمدوا إليه وقالوا: إنا نريد السفر وإنا لا نجد أحدا أوثق في أنفسنا منك ولا آمن علينا [ ص: 510 ] غيرك، فاجعل أختنا عندك فإنها ضائعة مريضة، فإن ماتت فقم عليها ، وإن عاشت فاحفظها حتى نرجع ، فقال: أكفيكم إن شاء الله ، وإنهم انطلقوا ، فقام عليها وداواها حتى برئت فلم يزل به الشيطان يزين له حتى وقع عليها وحبلت ، ثم تقدم منه الشيطان فزين له قتلها وقال: إن لم تفعل افتضحت ، فقتلها. فلما عاد إخوتها سألوه عنها فقال: ماتت فدفنتها ، قالوا أحسنت ، فجعلوا يرون في المنام أن الراهب قتلها وأنها تحت شجرة كذا ، فعمدوا إلى الشجرة فوجدوها قد قتلت ، فأخذوه ، فقال له الشيطان: أنا الذي زينت لك قتلها بعد الزنى فهل لك أن أنجيك وتطيعني؟ قال: نعم ، قال فاسجد لي سجدة واحدة ، فسجد ثم قتل ، فذلك قوله تعالى:كمثل الشيطان فكذا المنافقون وبنو النضير مصيرهم إلى النار.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية