nindex.php?page=treesubj&link=28993_28902_30549_32016_32408nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=46أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور
يحتمل أنهم لم يسافروا فحثوا على السفر ؛ ليروا مصارع من أهلكهم الله بكفرهم ، ويشاهدوا آثارهم فيعتبروا ، وأن يكونوا قد سافروا ورأوا ذلك ولكن لم يعتبروا ، فجعلوا كأن لم يسافروا ولم يروا ، وقرئ : "فيكون لهم قلوب " : بالياء ، أي : يعقلون ما يجب أن يعقل من التوحيد ، ويسمعون ما يجب سماعه من الوحي ، "فإنها " ، الضمير : ضمير الشأن والقصة ، يجيء مذكرا ومؤنثا ، وفي قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : "فإنه " ، ويجوز أن يكون ضميرا مبهما يفسره : "الأبصار " ، وفي تعمى ضمير راجع إليه ، والمعنى : أن أبصارهم صحيحة سالمة لا عمى بها ؛ وإنما العمى بقلوبهم ، أو لا يعتد بعمى الأبصار ، فكأنه ليس بعمى بالإضافة إلى عمى القلوب .
[ ص: 202 ] فإن قلت : أي فائدة في ذكر الصدور ؟
قلت : الذي قد تعورف واعتقد أن العمى على الحقيقة مكانه البصر ، وهو أن تصاب الحدقة بما يطمس نورها ، واستعماله في القلب استعارة ومثل ، فلما أريد إثبات ما هو خلاف المعتقد من نسبة العمى إلى القلوب حقيقة ونفيه عن الأبصار ، احتاج هذا التصوير إلى زيادة تعيين وفضل تعريف ؛ ليتقرر أن مكان العمى هو القلوب لا الأبصار ، كما تقول : ليس المضاء للسيف ، ولكنه للسانك الذي بين فكيك ، فقولك : "الذي بين فكيك " : تقرير لما ادعيته للسانه وتثبيت ؛ لأن محل المضاء هو هو لا غير ، وكأنك قلت : ما نفيت المضاء عن السيف وأثبته للسانك فلتة ولا سهوا مني ، ولكن تعمدت به إياه بعينه تعمدا .
nindex.php?page=treesubj&link=28993_28902_30549_32016_32408nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=46أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرض فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ
يُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ لَمْ يُسَافِرُوا فَحُثُّوا عَلَى السَّفَرِ ؛ لِيَرَوْا مُصَارِعَ مَنْ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ ، وَيُشَاهِدُوا آثَارَهُمْ فَيَعْتَبِرُوا ، وَأَنْ يَكُونُوا قَدْ سَافَرُوا وَرَأَوْا ذَلِكَ وَلَكِنْ لَمْ يَعْتَبِرُوا ، فَجُعِلُوا كَأَنْ لَمْ يُسَافِرُوا وَلَمْ يَرَوْا ، وَقُرِئَ : "فَيَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ " : بِالْيَاءِ ، أَيْ : يَعْقِلُونَ مَا يَجِبُ أَنْ يُعْقَلَ مِنَ التَّوْحِيدِ ، وَيَسْمَعُونَ مَا يَجِبُ سَمَاعُهُ مِنَ الْوَحْيِ ، "فَإِنَّهَا " ، الضَّمِيرُ : ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَالْقِصَّةِ ، يَجِيءُ مُذَكَّرًا وَمُؤَنَّثًا ، وَفِي قِرَاءَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ : "فَإِنَّهُ " ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرًا مُبْهَمًا يُفَسِّرُهُ : "الَأَبْصَارُ " ، وَفِي تَعْمَى ضَمِيرٌ رَاجِعٌ إِلَيْهِ ، وَالْمَعْنَى : أَنَّ أَبْصَارَهُمْ صَحِيحَةٌ سَالِمَةٌ لَا عَمَى بِهَا ؛ وَإِنَّمَا الْعَمَى بِقُلُوبِهِمْ ، أَوْ لَا يُعْتَدُّ بِعَمَى الْأَبْصَارِ ، فَكَأَنَّهُ لَيْسَ بِعَمَى بِالْإِضَافَةِ إِلَى عَمَى الْقُلُوبِ .
[ ص: 202 ] فَإِنْ قُلْتَ : أَيُّ فَائِدَةٍ فِي ذِكْرِ الصُّدُورِ ؟
قُلْتُ : الَّذِي قَدْ تُعُورِفَ وَاعْتُقِدَ أَنَّ الْعَمَى عَلَى الْحَقِيقَةِ مَكَانَهُ الْبَصَرُ ، وَهُوَ أَنْ تَصَابَ الْحَدَقَةُ بِمَا يَطْمِسُ نُورَهَا ، وَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْقَلْبِ اسْتِعَارَةٌ وَمَثَلٌ ، فَلَمَّا أُرِيدَ إِثْبَاتُ مَا هُوَ خِلَافُ الْمُعْتَقَدِ مِنْ نِسْبَةِ الْعَمَى إِلَى الْقُلُوبِ حَقِيقَةً وَنَفْيُهُ عَنِ الْأَبْصَارِ ، احْتَاجَ هَذَا التَّصْوِيرُ إِلَى زِيَادَةِ تَعْيِينٍ وَفَضْلِ تَعْرِيفٍ ؛ لِيَتَقَرَّرَ أَنَّ مَكَانَ الْعَمَى هُوَ الْقُلُوبُ لَا الْأَبْصَارُ ، كَمَا تَقُولُ : لَيْسَ الْمَضَاءُ لِلسَّيْفِ ، وَلَكِنَّهُ لِلِسَانِكَ الَّذِي بَيْنَ فَكَّيْكَ ، فَقَوْلُكَ : "الَّذِي بَيْنَ فَكَّيْكَ " : تَقْرِيرٌ لِمَا ادَّعَيْتَهُ لِلِسَانِهِ وَتَثْبِيتٌ ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْمَضَاءِ هُوَ هُوَ لَا غَيْرَ ، وَكَأَنَّكَ قُلْتَ : مَا نَفَيْتُ الْمَضَاءَ عَنِ السَّيْفِ وَأَثْبَتُّهُ لِلِسَانِكَ فَلْتَةً وَلَا سَهْوًا مِنِّي ، وَلَكِنْ تَعَمَّدْتُ بِهِ إِيَّاهُ بِعَيْنِهِ تَعَمُّدًا .